هل فشلت الثورات العربية ؟

هل فشلت الثورات العربية ؟

ديسمبر 21, 2020 - 14:09

عبد الله الكبير.. كاتب صحفي

عبد الله الكبير.. كاتب صحفي

يعاد طرح هذا السؤال كلما حلت ذكرى الثورات العربية في مثل هذه الأيام. السؤال في حد ذاته ينطوي على الشك في جدوى الثورة مادامت لم تحقق المأمول منها. وبمتابعة تطورات الثورة في كل الاقطار فإن الإجابة المباشرة هي نعم. لقد فشلت الثورات لأن الأوضاع زادت سوءا عما كانت عليه البلدان العربية قبل تفجر الثورة في تونس ثم انتقال عدواها إلى الاقطار الأخرى. وقطاعات واسعة من الشعوب العربية يأخذها الحنين إلى زمن ماقبل الثورة وسقوط بعض الانظمة المستبدة.

 لا غضاضة في إطلاق وصف النجاح أو الفشل على حدث اكتملت فصوله. لكن هل يصح طرح هذا السؤال الفاصل عن حدث مازال يتفاعل، وتداعياته وارتداداته متواصلة؟

 فالطالب قد يخفق ويستنفد مرات الرسوب في مرحلة دراسية ما ويضطر للمغادرة ويغير مساره أو تخصصه سعيا وراء فرصة جديدة. وقد يفشل فريق رياضي في الفوز بالبطولة في مسابقة ما ويذهب اللقب لفريق آخر. هنا بوسعنا أن نتحدث عن الفشل دونما منازعة، لأن الحدث اكتمل بالاخفاق والفشل بالنسبة للطالب أو الفريق الرياضي. ولكن الحدث الذي لم يكتمل لا يصح مطلقا إصدار الأحكام القطعية بشأنه. والثورات العربية التي فتحت طريق التغيير مازالت تخوض صراعاتها المختلفة على كل المستويات في كل الاقطار العربية، حتى التي ظلت بمنأى عنه طالها رذاذ أمواجه واضطرت أنظمة الحكم فيها إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأجيل انفجار الاحتجاجات بسبل مختلفة. كتعديل الدستور أو إجراء بعض الإصلاحات أو استغلال فائض العائدات الريعية في تحسين مستويات الدخل للناس.

ثمة عديد الأدلة على استمرار الحراك الثوري رغم كل العثرات والاخفاقات، فالمظاهرات المطالبة بالتغيير مستمرة من دون انقطاع في بلدان الثورات، والاهتمام بالشأن العام بات في صلب اهتمام المواطن العربي، كما أن شراسة ماتبقى من أنظمة قمعية زادت وهذا دليل خوف من تكرار لحظة الانفجار. ولعل الدليل الأبرز على هذه الصيرورة المتواصلة للثورة هو تفجر الاحتجاجات في السودان والجزائر والعراق ولبنان بعد ثماني سنوات من موجتها الأولى. ومازالت بقية الأنظمة الاستبدادية ترتعد خوفا وهلعا وهي تترقب بحذر الموجات التالية.

 ما الذي جرى إذا؟ لماذا انتكست الثورات؟ إذ ماعدا تونس انزلقت سوريا وليبيا واليمن في الحروب، وعاد العسكر للحكم في مصر. لا يمكن حصر انتكاسة الثورات العربية في سبب واحد لأن عوامل عديدة تضافرت لتعطل مسيرة التغيير، منها ما يخص البنى الاجتماعية والاقتصادية في بلدان الثورة، وبعضها يخص التدخلات الخارجية والمشاريع الإقليمية والدولية المتصارعة، في ساحات باتت مكشوفة عقب انهيار الأنظمة الحاكمة وضعف أو عدم وجود مؤسسات قادرة على سد الفراغ والتصدي للتدخل الخارجي. وثمة سبب رئيس يجدر أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن الثورات، إذ يخبرنا التاريخ أن مراحل التغيير تستغرق زمنا طويلا يفوق التوقعات، فلم يسبق أن قطفت الشعوب ثمار تضحياتها على مذابح الثورات قبل مضي عقود بعد الزمن الثوري. ولكن الإنسان خلق من عجل ويريد أن يرى أثر التحول بأسرع وقت.

 ما لاريب فيه هو أن التغيير قد وقع، وأن ما بعد عام 2011 مختلف تماما عما قبله، أما مسار التغيير وتسارع أو بطء وتيرته فسيبقى رهنا بكل تفاعلات الصراع بين الجديد الذي ترنو إليه أحلام وتطلعات الشعوب، وبين قوى الماضي الاستبدادية المتحالفة مع العدو لإجهاض أي نهوض من شأنه تغيير معادلات القوة، وإنهاء الهيمنة الخارجية على المنطقة العربية.  

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتابها)