على عتبات عام جديد

على عتبات عام جديد

ديسمبر 28, 2020 - 13:46

عبد الله الكبير.. كاتب صحفي

 فشل لجنة المنتدى السياسي في التوافق حول شخصيات السلطة الجديدة، واخفاق البرلمان في اختيار قيادة بديلة لينهض بمهامه كان متوقعا بالنظر إلى حدة التنافس حول  السلطة الجديدة بين عدة كيانات وشخصيات، ودفع شخصيات عدة في لجنة الحوار بضرورة الأحتكام لصناديق الانتخابات. كل صفقات تقاسم السلطة التي سعت بعض الأطراف لتمريرها عبر لجنة المنتدى السياسي ماكانت ستؤدي إلى تهدئة الأزمة وابعاد شبح الحرب، بل ربما فجرت الأوضاع وزادت من الانقسام، لأنها لم تكن صفقات يمكن أن تحقق توافق مفقود سيعمل على معالجة الأزمات بقدر ماكانت تبحث عن حصة أكبر من السلطة والمال والنفوذ. وهذا وضع طبيعي فعندما تضعف الدولة كمظلة جامعة، وتطل الولاءات الفرعية برأسها، تصبح الدولة ومواردها مجرد غنيمة تسعى الغالبيةإلى الظفر بها.

 النتيجة الايجابية الوحيدة من الحوار السياسي هي تحديد موعدا للانتخابات العامة نهاية العام المقبل، وتشكيل لجنة لبحث الأساس الدستوري لها. وهذا التوجه من البعثة الأممية ربما يشكل تحديا آخر أمام البرلمان لينهض بمسؤولياته واختصاصاته، بعد اخفاقه في الالتئام وتفعيل دوره التشريعي والرقابي رغم الوعود الكبيرة عقب حوارات طنجة التشاورية، ولكن من غير المتوقع أن يكون أعضاء البرلمان في مستوى التحدي، ومن ثم ستعتمد البعثة الأممية على لجنة المنتدى السياسي في محاولاتها المستمرة للوصول إلى توافق حول قاعدة دستورية تعبد الطريق نحو الانتخابات.

 ذكرى عيد الاستقلال كانت مناسبة لتكشف الأطراف السياسية عن مواقفها عقب تعثر جولات الحوار السياسي. خرج حفتر مهددا تركيا بالحرب إن لم تتوقف عن دعمها لحكومة الوفاق، وهي تهديدات من غير المرجح ترجمتها إلى فعل، لأن الحسم متعذر بسبب التعادل في موازين القوى، وإنما يريد حفتر حشد انصاره بخطاب ديماغوجي يلائم القطيع الغاضب من سلوك أبناء حفتر واسرافهم في البذخ والانفاق، في محيط من العوز والفقر والأوضاع المعيشية المتردية. ومع استبعاد احتمال عودة المواجهات المسلحة، فالمؤكد أن النتيجة لن تختلف عن الحرب السابقة بالنسبة لحفتر إذا ماقامر مرة أخرى مدفوعا من حلفائه أو هروبا من الأزمات في مناطق نفوذه. ولم يتأخر الرد من جانب حكومة الوفاق بتصريحات وزير الدفاع صلاح النمروش الذي أعلن الاستعداد التام للرد وصد أي هجوم قد يقوم به حفتر.

 رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج أشار في كلمته بمناسبة ذكرى الاستقلال إلى ضرورة التئام المجلس الرئاسي بكامل أعضائه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، مايعني أنه باق في موقعه حتى الانتخابات المقبلة، وهذا يرجح صحة التسريبات عن العرض الذي قدمه السراج لحفتر عن طريق وزير خارجية إيطاليا بأن يسمي حفتر رئيس الحكومة. وكان قبول حفتر للعرض يعني عودة الشخصيات الموالية له للمجلس الرئاسي، بالإضافة إلى رئيس حكومة قادر على العمل في مناطق نفوذ حفتر، وهذا سيفضي بالضرورة إلى حل حكومة عبدالله الثني وكافة المؤسسات الموازية، وفي المحصلة النهائية ستحدث هذه الخطوة تغيرا جذريا في مسار الأزمة، ومن ثم لابد أن يرفضها حفتر فهي أقل بكثير مما يطمح إليه من سلطة ونفوذ.

 على أعتاب عام جديد تكشف الصورة العامة للأزمة عن بعض الأنفراجات على المستوى الاقتصادي، مع ابتعاد شبح الحرب بسبب توازن القوى، وشهدت نهاية هذا العام زيارة وفد رسمي دبلوماسي وأمني مصري للحكومة الوفاق بعد قطيعة دامت ست سنوات، مايشير إلى تحول محدود في الموقف المصري فرضته التحولات المهمة في مسار الأزمة، فالسلطات المصرية أدركت بعد هزيمة حليفها حفتر وتعثر الحوار السياسي أن مصالحها الأمنية والاقتصادية تحتم إعادة العلاقات مع حكومة الوفاق، ولكن هذا التحول لا يعني تخلي مصر عن حفتر إذ مازالت تحتفظ له ببعض الأدوار كضبط الأمن في الشرق المتاخم لحدودها الغربية، ومنع أي نشاط للتيارات السياسية الإسلامية، فضلا عن دوره التقليدي كورقة يمكن المساومة بها مع حكومة الوفاق وحليفها التركي. 

 ليس ثمة بوصلة تعيد البلاد إلى الاتجاه الصحيح سوى الانتخابات، ولكن الاعداد للانتخابات المقبلة بحاجة إلى حكومة موحدة، وقناعة حقيقية من كافة الأطراف بأنها السبيل الوحيد لحسم مسألة الشرعية، وتأسيس حكومة فاعلة وقوية تستند إلى شرعية شعبية تؤهلها للتصدي للتدخلات الخارجية وإنهاء الوجود الأجنبي المسلح، ولأن جل خيوط الأزمة بات في يد القوى الخارجية، فإن الاحتكام من جديد لصناديق الانتخابات سيبقى رهن التوافق الدولي وتفعيل كل الأدوات ضد من يحاول العرقلة. 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتابها)