الحوار السياسي ومعضلة السلطة

الحوار السياسي ومعضلة السلطة

يناير 04, 2021 - 15:07

عبد الله الكبير.. كاتب صحفي

 التأثيرات الدولية تلقي بظلالها على مسار الحل السياسي الذي تديره بعثة الأمم المتحدة، فرغم بعض التقارب بين بعض الدول الفعالة في الصراع، مثل التقارب بين تركيا ومصر، وانفتاحهما على خصومهما في ليبيا، بعد استقبال أنقرة لمبعوث عقيلة صالح، وزيارة وفد دبلوماسي ومخابراتي مصري لطرابلس بعد قطيعة ست سنوات. إلا أن هذا التقارب لا يعني التنسيق الكامل وتطابق الرؤى بشأن الموقف من الصراع وسبل الحل، فالقاهرة بعد قناعتها بفشل مشروع حفتر في إحكام قبضته على السلطة بالقوة المسلحة، وقرب استلام السلطة الجديدة في أمريكا لمقاليد الحكم، وما سيطرأ من تغيرات مع إدارة بايدن، فضلا عن الفرص الاقتصادية الواعدة في ليبيا، اتُّخذت هذه الخطوة الجريئة، مبتعدة مسافة كافية عن حكومة أبوظبي التي لا يبدو من خلال خطاب قنواتها الإعلامية أنها راضية على هذا التحول المصري تجاه الأزمة الليبية. 


 التقارب الروسي التركي الحالي يمكن فهمه في سياق توجسهما من المساعي الأمريكية في الحد من نفوذهما المتنامي المرتبط بالشخصيات والكيانات الموجودة في السلطة حاليا، ومن ثَم فأي محاولة للإطاحة بها عبر منتدى الحوار السياسي لن تكون مقبولة منهما.


 إزاء هذا الانسداد في تحقيق الهدف الأساس لملتقى الحوار السياسي أعلنت المبعوثة الأممية ستيفاني وليامز عن تشكيل لجنة من الملتقى تضم 15 عضوا ثم زيادتها إلى 18 تشمل كافة المناطق والاتجاهات مع تمثيل للمرأة وللشباب، ما يعني تجاوز مقترح الآليات الأول والبحث عن بدائل مقبولة، وهذا مادفع عقيلة صالح إلى المزيد من التعبئة الجهوية عبر أكثر من ملتقى في الشرق، إذ بات يدرك أن طريقه لاعتلاء سدة المجلس الرئاسي خلفا للسراج زاد طولا وتعرجا. والخلافات بينه وبين حفتر صارت أكثر وضوحا ولم تفلح الجهود المصرية في احتوائها.


 إبعاد عقيلة صالح عن مواقع السلطة مسألة حتمية لمن ينشد التوافق ولملمة أجزاء البلاد المبعثرة، إذ يتعذر على صالح النهوض بهذا الدور، فوعيه القبلي الضيق يقصر عن الإحاطة بالبلاد وتقديم خطاب شمولي متوازن، حتى بتوليه منصب رئاسة مجلس النواب الليبي انحصرت رؤيته في نطاق قبيلته، ولم يجد نفسه إلا متحدثا عن قضايا وطنية بالغة الخطورة داخل تجمعات وجهاء وأعيان قبيلته، بينما الطبيعي أن يتوجه من يسعى لأرفع منصب سياسي في الدولة إلى كافة أفراد الشعب بكل مكوناتهم واتجاهاتهم. 


 في كل تصريحاتها الأخيرة لم تتوقف المبعوثة الأممية عن التذكير بالموعد المحدد للانتخابات نهاية العام الحالي، وهي تركز مع اللجنة الدستورية لوضع الخطط والمقترحات للقاعدة الدستورية للانتخابات، فانسداد طريق تشكيل الحكومة الموحدة يدفع إلى الضغط  بورقة الانتخابات، فهي تدرك أن الغالبية لايريدونها، بل ذهب رئيس المجلس الأعلى للدولة إلى حد التصريح بتعذر إجراءها قبل عامين! 


 ثمة خيار لم يكن مطروحا بوضوح، ولكن إخفاق أعضاء الملتقى دفع به إلى السطح، وهو بقاء المجلس الرئاسي الحالي وتشكيل حكومة جديدة موسعة تشارك فيها كل الأطراف، وهو خيار يواجهه اعتراض مؤيدو صفقة تقاسم السلطة بين شخصيات فاعلة في السلطة حاليا. في اللقاء الأخير بين سفراء الدول الغربية مع السراج حسب البيان الصادر عن السفارة الأمريكية أكد السفراء على ضرورة تشكيل سلطة موحدة وقوية قبل الانتخابات، مع الدعم الكامل للحوار السياسي وكذلك المسارين العسكري والاقتصادي. هذا الموقف، مع تحذير المبعوثة الأممية من حل يُفرض عليهم من الخارج إذا عجزوا عن التوافق على السلطة الجديدة، يؤكد رغبة الدول الغربية في تحجيم نفوذ تركيا وروسيا، ولكن نتائج حوار المنتدى السياسي ستدعم بقرار من مجلس الأمن، فهل يمكن تمرير هذا القرار من دون موافقة روسيا؟ وهل يمكن فرض أي سلطة يشكلها المنتدى على مجلس النواب المنقسم وعلى المجموعات المسلحة المسيطرة على العاصمة؟ أما الحديث عن سرت مقرا للحكومة فدونه عقبات عدة، أهمها تهيئة المدينة وإخراج المرتزقة، بينما تشير الأحداث الأخيرة إلى توطيد حفتر لسلطته في سرت عبر مجلس تسييري، ورشوة الأهالي ببعض فتات من الوقود والمواد الغذائية، ورفض مقترح الأمين العام للأمم المتحدة بنشر مراقبين دوليين لمراقبة وقف إطلاق النار، والإشراف على إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب. 


 الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستكشف عن الخطوة المقبلة بعد تشكيل اللجنة الجديدة في منتدى الحوار السياسي، فهل تنجح ستيفاني عبر ماتقترحه اللجنة في تجاوز معضلة السلطة أم ستبقى السلطات الحالية شرقا وغربا، وتركز جهودها فيما تبقى لها من وقت على اللجنة القانونية؟

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتابها)