انحسار الدور الخليجي في الأزمة الليبية
عبد الله الكبير.. كاتب صحفي
المصالحة الخليجية هي الحدث الابرز على المستوى الإقليمي هذا الشهر، فبعد قطيعة وحصار لقطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ يونيو2017، عادت العلاقات بين الرياض والدوحة ثم تباعا باقي رباعي الحصار وهكذا انتهت الأزمة أو على أقل تقدير هي في طريقها إلى النهاية.
عصفت الأزمة بأهم تجمع عربي إقليمي وهو مجلس التعاون الخليجي، الذي سيستعيد بعد هذه المصالحة دوره في تفعيل الحد الأدنى على أقل تقدير من التضامن الخليجي ووحدة المواقف تجاه التطورات الإقليمية والدولية المختلفة.
ألقت الأزمة بظلالها على تطورات الأوضاع في أزمات المنطقة العربية وأبرزها ليبيا، وهي ما يعنينا هنا بالدرجة الأولى، نظرا لاصطفاف طرفي الأزمة خلف المعسكرين الرئيسين في الأزمة الليبية، قطر دعمت معسكر حكومة الوفاق وحلفائها، بينما كانت الإمارات والسعودية ومصر تساند معسكر حفتر وبرلمان طبرق، ولا تأثير يذكر للبحرين فهي واقعة تحت الهيمنة السعودية وليست لها مواقف مستقلة واضحة، ولم تسلك طريق الكويت وعمان بالنأي عن الانخراط في أزمات الدول الأخرى.
بعد نحو شهر من إعلان الحصار وقائمة الثلاثة عشر شرطا أعلن حفتر بشكل مفاجئ عن " تحرير بنغازي من الإرهاب تحريرا تاما غير منقوص"، واختياره للتوقيت كان بمثابة رد الجميل لحلفائه في رباعي الحصار ينطوي على تأكيد أن التحرير المزعوم هو أول ثمار محاصرة قطر باعتبارها "داعمة للإرهاب" في الخطاب الإعلامي الموجه من دول الحصار ومن معسكر حفتر الذي لم يتوقف عن كيل التهم للدوحة، بينما الحقيقة هي عكس ذلك تماما، فقطر دعمت بقوة اتفاق الصخيرات ومارس سفيرها في ليبيا دورا كبيرا في اقناع معسكر المؤتمر الوطني لقبول الاتفاق، بينما لم تتوقف الإمارات عن محاولات اسقاطه بمنحها لحفتر كافة أشكال الدعم لاسقاط حكومة الوفاق وتمكينه من السيطرة على ليبيا، وهو هدف كاد أن يتحقق بعد أن نجحت في جر الرياض معها وتشجيع حفتر للهجوم على طرابلس، قبل أن يمنى بالهزيمة بعد تدخل تركيا ودعمها الأمني والعسكري للحكومة الوفاق.
هل بات كل هذا من الماضي؟ وماهو مدى تأثير المصالحة الخليجية على الصراع في ليبيا؟ هذا هو المهم الآن، إذ يرى أكثر المراقبين أن المصالحة ستؤثر ايجابا في حل الأزمة، وهذا صحيح بالطبع، ولكنه سيكون تأثير محدود بالنظر إلى تراجع الأدوار الخليجية في الأزمة بعد دخول روسيا وتركيا بشكل مباشر بالوجود الفاعل على الأرض، ما استدعى اهتماما وانخراطا أمريكيا وأوربيا أكبر في الأزمة التي صارت لعبة الكبار، شأنها في ذلك شأن الأزمة السورية، لايعني هذا انتهاء التأثير الخليجي وإنما تراجعه إلى المستويات المتأخرة.
الإمارات كانت ولم تزل الحليف الابرز لحفتر، واستمرارها في شحن الأسلحة والمعدات العسكرية يعني تعويلها على استمرار الصراع المسلح، وهذا بات متعذرا لأن قرار الحرب والسلام لم يعد بيدهم ولا بيد حفتر، فبوجود روسيا وتركيا على الجانبين، وهما أقرب للتحالف والتفاهم حول مصالحهم من العداء والقتال يبعد شبح الحرب، ويضمن استمرار الهدنة، كما أن التحول البارز في الموقف المصري بالانفتاح على حكومة الوفاق يؤكد قناعة مصرية أن الأمل بقدرة حفتر على الحسم العسكري تلاشى تماما، والمصالح الأمنية تقتضي البحث في الخيارات السياسية المتاحة، وبذلك فقدت الإمارات دولة مجاورة لليبيا سهلت لها الطرق اللوجستية لتقديم الدعم لحفتر.
لاشك في أن العامل الأساسي في إنهاء الأزمة الخليجية هو خسارة ترمب للانتخابات، والاستعداد لولاية الديمقراطي بايدن يحتم على ولي عهد السعودية اتخاذ هذه الخطوة، للتخفيف قدر الإمكان من وطأة الملفات الثقيلة التي ستفتحها إدارة بايدن حينما تشرع في تفكيك إرث ترمب، وإذا كانت حماقات ترمب وتهوره وميله للتحالف الرباعي قد ساهمت في تعقيد الأزمة الليبية وغيرها من الازمات، فالمؤكد أن نهج إدارة بايدن سيكون مختلفا في التعاطي مع التوغل الروسي والتركي في ليبيا، وستكون مقاربته لملف حقوق الإنسان مختلفة عن إدارة سلفه، ولن يكون هناك مستشار مثل بولتون يحث حفتر على اقتحام طرابلس بسرعة مادام قد عقد العزم على ذلك، ومن ثم لن يكون بوسع الإمارات إشعال حرب أخرى، ومراهنتها على طرف واحد من دون أي خيوط تواصل مع الأطراف الأخرى سيغل يدها عن التأثير السياسي ماسيعجل بانحسار دورها في ليبيا.
(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)