المرتزقة الحلال والمرتزقة الحرام

المرتزقة الحلال والمرتزقة الحرام

فبراير 23, 2021 - 10:42

بقلم الكاتب الصحفي عبدالله الكبير

 يكشف تقرير خبراء مجلس الأمن الصادر عام 2016 بشأن ليبيا استعانة حفتر بمرتزقة من السودان ومن إقليم دارفور في حروبه التي أشعلها في ليبيا تحت لافتة محاربة الإرهاب. وحدات متكاملة من جيش تحرير السودان فصيل مني مناوي شاركت في القتال مع "الجيش الوطني" بقيادة "المشير" خليفة حفتر في ليبيا، كما يرد بالتقرير مع تفاصيل أخرى عن وساطة بعض أنصار النظام السابق بين المرتزقة وحفتر بعد اجتماعهم مع حفتر بمدينة المرج.

 وتحت عنوان (وجود جماعات مسلحة دارفورية في ليبيا) ورد في تقرير خبراء مجلس الأمن بشأن السودان مايلي: كان لفصيل مني ميناوي وجود كبير في ليبيا، عدة مئات من المقاتلين، منذ النصف الثاني من عام2015. وأفادت مصادر موثوقة أيضا أن حركة العدل والمساواة تنشط في ليبيا. كانت الجماعتان تقاتلان إلى جانب الجيش الوطني.
 تطابقت المعلومات في التقريرين رغم أنهما صادران عن فريقين يعملان في ساحتين مختلفتين يربط بينهما الجوار الجغرافي. الفريقان يعملان لمصلحة مجلس الأمن وفقا لقراراته حول السودان وليبيا، من دون تواصل بينهما، ومن ثم فإن تطابق المعلومات في التقريرين يقطع أي مجال للتشكيك في صحة ماورد بهما حول المرتزقة الذين جلبهم حفتر للقتال مع "الجيش الوطني الليبي". كافة التقارير الأممية حول ليبيا والسودان تسجل تفاصيل كثيرة عن المرتزقة الأفارقة ومناطق تمركزهم ووظائفهم ونشاطاتهم الاجرامية في ليبيا بعد ما جلبهم حفتر لقتال خصومه وتمكينه من حكم البلاد بقوة السلاح. 

 قد يعتقد البعض أن إطلاق خبراء مجلس الأمن " اسم الجيش الوطني الليبي" على مليشيات حفتر في تقاريرهم هو اعتراف من الأمم المتحدة بأن حفتر يقود جيشا وطنيا، وأن تكوينه وتنظيمه يؤهله لحمل هذه الصفة، وهذا غير صحيح مطلقا. لأن التقارير ذات طبيعة قانونية كونها تبحث وتوثق أي انتهاكات للقرارات الدولية فلابد أن تسمى الكيانات والمنظمات والأشخاص بالاسماء التي تطلقها هي على نفسها، حتى وإن كانت غير مطابقة لواقع الحال. وفي هذا الإطار ورد في تقرير سابق صدر عام 2015 مايلي: ( ووجد الفريق أن إمكانية اعتبار المشاركين في عملية الكرامة التي جرت بين مايو واغسطس 2014 يمثلون " جيشا رسميا" لاتزيد عن اعتبار خصومهم كذلك"، أي لافوارق بينهما، ومن ثم فهي مواجهة بين جيشين أو بين مليشيات مسلحة.

 وفي يوليو 2016 انفضحت مشاركة قوات فرنسية مع حفتر شرق بنغازي بعد مقتل ثلاثة منهم بسبب تحطم مروحيتهم، وأضطرار الرئيس الفرنسي للاعتراف بالوجود العسكري الفرنسي المشارك في القتال الدائر بليبيا بعد مقتلهم. وقد أشار مصدر محلي إلى وجودهم فور وصول نحو 50 عسكريا في تخصصات مختلفة لدعم حفتر، ولكن الخبر لم ينتشر لأن مصدره غير معروف، واتضح فيما بعد أنه صحيح ودقيق. 

 وفي عام 2017 بدأ حفتر في جلب المرتزقة الروس بعد التعاقد مع رئيس شركة فاغنر في إحدى زياراته لموسكو، وأشارت بيانات رسمية لوزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين فضلا عن تقارير للمؤسسات إعلامية مرموقة إلى تنامي النفوذ الروسي في ليبيا عبر مرتزقة فاغنر وانتشارهم في مواقع حيوية وقواعد عسكرية، وفي مايو 2020 ولأول مرة تعلن الأمم المتحدة، عبر تقرير سري سربت أجزاء منه للإعلام، عن وجود مرتزقة روس وسوريين يقاتلون مع عصابات حفتر في جنوب طرابلس.

 وقبل أيام كشف تقرير سري آخر النقاب عن تعاقد حفتر مع شركة بلاك ووتر لجلب مروحيات وفريق اغتيال من عدة جنسيات لاغتيال شخصيات ليبية مناوئة لحفتر تقود المعارك في مواجهة عصاباته ومرتزقته دفاعا عن طرابلس.

 كل هذه الحقائق الموثقة عن جلب حفتر للمرتزقة من كل حدب وصوب أنكرتها مجموعة البراحين* الذين انتشروا في صفحات وسائل التواصل، والفضائيات كضيوف في برامج موجهة لدعم انقلاب حفتر على التحول السياسي في ليبيا. يتذكر الليبيون هيجان بعضهم  على التلفاز في حفلات القذافي، وهم يصيحون بجنون كمن أصابه مس من الشيطان: "قسما ياعقيد عالمبادئ لن نحيد"، ومن المبادئ المعلنة آنذاك هو مواجهة العدو الأزلي ممثلا في الامبريالية وزعيمتها أمريكا واعتبار من تعامل معهم من المعارضة الليبية كلاب ضالة يجب سحقها. فحنثوا بقسمهم وحادوا عن مبادئهم، وارتموا في أحضان عميل أمريكي كان معارضا للقذافي وعميل للمخابرات الأمريكية ثم حاملا لجنسيتها!

 نحو ثمانية أشهر ومرتزقة حفتر عاجزون عن اختراق جدار بركان الغضب، فعزز جبهته بالمزيد من المرتزقة الأفارقة، وضاعفت فاغنر من وجودها بالمحاور المتقدمة جنوب طرابلس مع عتادها المتطور بمنظومات الصواريخ المضادة للطيران وأجهزة التشويش الإلكتروني، واضطرت حكومة الوفاق إلى الاستعانة بتركيا عبر مذكرة تفاهم أمنية وعسكرية، ما أدى إلى تحول كبير في موازين المعركة، وبدأت كوابيس هزيمة جديدة لحفتر تلوح في الأفق. هنا زاد هيجان البراحة وارتفع صياحهم منددين بالمرتزقة السوريين الذين جلبتهم تركيا مع قواتها لمساعدة حكومة الوفاق، وتصاعد عويلهم حتى وصل إلى اعتبار الوجود التركي قوة احتلال، رغم انه معلن عبر مذكرة تفاهم شرعية متاح الغاؤها بالتراضي في أي وقت، بينما صموا آذانهم وغضوا أبصارهم طوال السنوات الماضية عن المرتزقة الذين جلبهم حفتر، ولم تهتز ضمائرهم رغم هول الجرائم التي نفذها مرتزقة فاغنر في ترهونة وجنوب طرابلس، وقتل مرتزقة جنجويد للشباب الليبي في الجفرة والمدن المجاورة لها. فحلال على حفتر جلب المرتزقة واستباحة البلاد والعباد بالظلم والعدوان، حرام على المدافع عن نفسه وعرضه أن يطلب المساعدة من دولة مسلمة لدفع الصائل، فالبراحون الذين يخرجون علينا عبر المنصات الإعلامية ليس لهم أي ولاء للوطن ولا احترام لحياة الليبيين، شأنهم في ذلك شأن صنمهم الأول الذي نصب المشانق لليبيين في الجامعات وملاعب الرياضة، وخليفته في الاجرام والعار، المهزوم أبدا، منذ وادي الدوم إلى وادي الربيع. فهم لا يطيقون الحياة بدون وثن يسبحون بعظمته ويرجون عطاؤه، نظير ممارسة دور البراح وتبرير جرائمه بالكذب والتضليل وتزييف الحقائق، ومهاجمة خصومه ونعتهم بالخونة والعملاء! 

* البراح هو شخص قوي الصوت يؤدي وظيفة الإعلان والاشهار في الأسواق في القرون الماضية مقابل مبلغ مالي يدفعه المعلن، ودور البراح هو التجول في السوق وتلاوة العبارات التي لقنها له المعلن عن انعام أو أموال ضائعة أو زمان ومكان جنازة متوفي، ونحو ذلك. والكلمة عربية فصيحة وتفيد في أحد معانيها الإعلان.