المرحلة البعيرية

المرحلة البعيرية

مارس 29, 2021 - 15:54

عبد الله الكبير.. كاتب صحفي

 ما عجزت عن تحقيقة آلاف القنابل والصواريخ والقاذفات المقاتلة وهي تقصف بيوت أهالي طرابلس على مدى 14 شهرا. حققه جمل الحبوني في أيام معدودات. إذ أخفق الأبرياء الذين تحطمت بيوتهم على رؤوسهم أو مزقتهم ألغام مرتزقة فاغنر، وفشل نواح أهالي ضحايا المغدورين في مقابر ترهونة الجماعية، بينما نجح بعير الحبوني في ايقاظ ضمائر بنات طارق. ذلك الرهط الذي تصدر الفضائيات ووسائل التواصل ومختلف المنصات الإعلامية مؤيدا ومناصرا همج ومرتزقة حفتر وهم يجتاحون طرابلس. طوال شهور الحرب، مدججين بالعداء للإنسان والحياة، برروا العدوان والجرائم والقتل وسفك الدماء، وكان شعارهم تمجيد القتلة وليذهب الضحايا إلى الجحيم. 

  لكن نحر بعير الحبوني أيقظ ضمائرهم من سباتها وفور انتشار الخبر هرعوا إلى المنابر يذرفون الدموع على الجمل، معتبرين نحره دلالة رمزية ورسالة تحمل بين طياتها رفض السلام!! يبدو أن الصعود للمرحلة الإنسانية لدي هذا الرهط يستلزم المرور بالمرحلة البعيرية أولا.

يقول الكاتب والأديب البرتغالي خوزيه ساراماجو: " ليس هناك أعمى أسوأ من أعمى يرى".

موسم سقوط الأكاذيب 

بعد نحو أسبوعين من خطف السيدة سهام سرقيوة ظهر وزير داخلية حفتر واتهم تنظيما إرهابيا بعملية الخطف، وسرد وقائع معركة وهمية جرت أمام بيت سرقيوة حين تقدمت قوة أمنية واشتبكت مع الإرهابيين قبل أن تتراجع بسبب اختلاف موازين القوة بين الجانبين. 

 بالطبع لم يصدق أحد هذه الأكذوبة التي نسفت أكاذيب سابقة عن التحرير غير المنقوص لبنغازي من التنظيمات والعناصر الإرهابية، وعن نعمة الأمن والأمان في بنغازي تحت رعاية الجيش والشرطة، وغيرها. توقيع مليشيا أولياء الدم كان واضحا على جدران بيت سرقيوة، ولم تظهر بالصور أي آثار للاشتباكات المزعومة في رواية وزير الداخلية الذي تعجل كما يبدو ولم يستشر مخرجا محترفا يدله على ثغرات روايته التي استغرق طبخها أسبوعين. ولم يتوقف مسلسل الأكاذيب لتبرير الأزمة التي تعصف بمعسكر قادة الإجرام في بنغازي وكالعادة لم ينتبه صناع الأكاذيب لتناقض روايتهم مع مجريات الأحداث في السنوات السابقة. فبعد يومين من اغتيال محمود الورفلي صرح رئيس النيابة العسكرية في مؤتمر صحفي بأن الورفلي يعاني من عيب عقلي جزئي والمحكمة العسكرية أحالته لمصحة الأمراض النفسية.

 كيف يستقيم هذا التشخيص مع الترقيات المتتالية للورفلي من نقيب إلى رائد إلى مقدم؟ وكيف يسمح لقاتل يعاني من عيب عقلي جزئي بحمل السلاح والتحرك بحرية؟ ردود الفعل الغاضبة من أنصار الورفلي، وتنبه قادة عصابات الإجرام إلى فداحة التبرير، دفع رئيس النيابة العسكرية للخروج على قناة فضائية مستدركا، أنه يقصد بالعيب العقلي تلك الصدمة النفسية التي أصابت الورفلي وكل القوات العسكرية من جراء الحرب مع الإرهابيين. 

 محاولة بائسة للتغطية على أكذوبة متهافتة بأكذوبة أخرى اكثر تهافتا. ولانعرف ماهي الأكاذيب القادمة لتبرير أي جرائم تلوح في الافق، في ظل احتدام الصراع بين المليشيات المتناحرة، والفوضى الأمنية التي نسفت أسطورة الجيش والشرطة والأمن والأمان. 

 حين كان الورفلي يمارس القتل محاكيا أسلوب داعش لم يبرز أحد مستنكرا هذا الاجرام، بينما صدح عاليا صوت التأييد، والمقصود بالاستنكار هنا هو خروج شخصية سياسية أو اجتماعية، عالية المستوى من ملأ المدينة تجاهر بالرفض والتنديد بوحشية الورفلي وممارساته الإرهابية. وعند حصار قنفوذة أعلن زعيم قبلي أنه لن يخرج أحد تجاوز عمره الرابعة عشر على قيد الحياة، لقد أيد الإبادة الجماعية متهما جميع المحاصرين، بما فيهم الأطفال، بالإرهاب والانتماء لداعش، فيما كان الحضور يصفقون ويهللون خلف عبارته الحماسية. لم نر ولم نسمع من ينهى عن المنكر، لم يستنكر كبار القوم الجرائم البشعة إلا همسا. ومن سنن الله فإن لعنة الخراب تعم، وتنمو أشجار الانتقام، وتفشو الجريمة، وتسقط الأكاذيب، عندما تفقد الأمم والشعوب التناهي عن المنكر.

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتاّبها)