لماذا منع الدبيبة من زيارة بنغازي؟

لماذا منع الدبيبة من زيارة بنغازي؟

أبريل 27, 2021 - 23:34

عبد الله الكبير.. كاتب صحفي

أعلن الناطق باسم حكومة الوحدة الوطن عن تأجيل موعد اجتماع مجلس حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة المقررة يوم الاثنين الماضي ببنغازي من دون ذكر أسباب التأجيل، رغم أن هذه الأسباب كانت معروفة للجميع، فمنذ الإعلان عن زيارة الحكومة لبنغازي والتهديد بمنعها من قبل مليشيات حفتر لم يتوقف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونفذت هذه المليشيات تهديداتها بمنع وفد المراسم والحراسات الحكومية من الدخول لبنغازي، حتى مع استجابة الدبيبة لبعض شروط مليشيات حفتر بتعيين مقربين منه مناصب حكومية، لم تتراجع المليشيات عن موقفها ومنعت الحكومة من الدخول لبنغازي وإجراء اجتماعات مع المسؤولين بها للنظر في احتياجات المدينة، وخطة اعمارها، وترميم مادمرته الحرب، وتهيأة السبل لعودة المهجرين.

هذا التطور ينبئ بأن العقبات أمام حكومة الوحدة الوطنية سوف تتركز في الشرق الليبي، وتحديدا بنغازي معقل حفتر ومليشياته المسيطرة على المشهد العسكري والأمني فيها، والقادرة على تحريك الغوغاء لتوجيه الرسائل التي ترغب في إرسالها للحكومة وغيرها من الأطراف السياسية.

 تقول الأنباء أن الحكومة المصرية سوف تتدخل للتوسط بين الدبيبة وحفتر ليتسنى للحكومة الاجتماع في بنغازي في موعد لاحق، فإذا نجحت الوساطة، وهذا متوقع، فالمؤكد أن ثمة شروط أخرى سيتعين على الدبيبة الموافقة عليها، الحرص المصري على تمكين حكومة الوحدة الوطنية من العمل في شرق ليبيا مرده الأساسي هو رغبة الحكومة المصرية في تنفيذ الاتفاقيات المبرمبة مع حكومة الدبيبة أثناء زيارة وفد الحكومة المصرية لطرابلس مؤخرا لكي تتمكن مصر من العودة للعب دور فاعل في الأزمة الليبية والاستفادة من الفرص الاقتصادية الواعدة بليبيا بعد هدوء جبهات القتال.

 تقارب مصر مع تركيا بعد قطيعة وعداء استمر لسنوات، يرجح تحول مصر نحو لعب دور مختلف عن دورها السابق في الأزمة الليبية، وستنعكس نتائج هذا التقارب بشكل إيجابي على الأوضاع في ليبيا، ولكن ليس إلى حد لجم حفتر لكي لايستمر في عرقلة تطبيق الاتفاق السياسي الذي رعته بعثة الأمم المتحدة في جنيف، لأن حفتر تنوع في تحالفاته الدولية والإقليمية، وإذا خفضت مصر من دعمه سيحصل على الدعم من أطراف أخرى، ومن ثم فهذا الصمت الدولي على تحديه للإرادة الدولية يعني أن روسيا والإمارات وربما فرنسا لا تمانع في مواصلته تهديد حالة الاستقرار الهش المهدد بالانهيار، كما أن عدم صدور أي موقف من البعثة الأممية أو الاتحاد الأوربي أو السفارة الأمريكية إزاء عرقلة عمل الحكومة، يعد مؤشرا بالغ الخطورة على إمكانية إجراء الانتخابات في الموعد المعلن بخارطة الطريق، وحتما سيشجع هذا الصمت الدولي، في حالة استمراره، حفتر على استمراره في نفس النهج الذي سبق أن سار عليه مع اتفاق الصخيرات السابق.

 زيارة الدبيبة الأخيرة لموسكو لايبدو أنها نجحت في تغيير الموقف الروسي رغم الوعود الاقتصادية الكبيرة التي قدمها الدبيبة للمسؤولين الروس. رافق الدبيبة في زيارة روسيا اللواء محمد الحداد رئيس أركان الجيش بوزارة الدفاع بطرابلس، وكان الهدف من وجوده وتقديمه للروس بصفته العسكرية إشارة واضحة في عدم رغبة الدبيبة التعامل مع حفتر أو منحه مايريد من مناصب ومزايا في حكومة الوحدة الوطنية، وهذا يعطي سببا اضافيا لحفتر لكي يمنع الدبيبة وحكومته من العمل في مناطق نفوذه بالشرق.

 أما السبب الرئيس في تقديري فهو إدراك حفتر أن شروع الحكومة في العمل ببنغازي والمنطقة الشرقية خارج هيمنته، يعني أن ثمة سلطة أخرى ستنافسه على النفوذ بالقوة الناعمة، فبعد إقرار الميزانية ستعمل حكومة الوحدة الوطنية على تحسين الخدمات للناس، وتعويض المتضررين، وإعادة الأعمار، وفتح طرق المواصلات بين الشرق والغرب، وهذا التحول من شأنه أن يصرف الناس عن حفتر ومشاريعه التدميرية، وبتكريس حالة الاستقرار وتراجع احتمال اندلاع الحرب مجددا تتعزز فرص إجراء الانتخابات. وهذا مخالف تماما لما يريده حفتر الذي لايرى لنفسه وجودا إلا بالحفاظ على جذوة الصراع مشتعلة، واستمرار حالة الانقسام، التي قد تصادف ظروفا دولية مختلفة تعيد له الأمل في استئناف مطاردة أوهامه بالسيطرة على البلاد وحكمها بالقوة.

 ثمة تنازلات كبيرة يتعين على الدبيبة تقديمها لحفتر إذا أراد العمل في الشرق، وإذا مارضخ وقدمها فسيتحول هناك إلى ثني آخر مهمته الأساسية هي تلبية طلبات حفتر وأبنائه وبقية عصاباته، أي لن يكون سوى واجهة تخفي وراءها الأيدي التي تمسك بمفاتيح السلطة والقرار.

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتاّبها)