صخيرات جديدة.. مزيدة ومنقحة

صخيرات جديدة.. مزيدة ومنقحة

مايو 12, 2021 - 13:09

عبدالله الكبير.. كاتب صحفي 

مامن مؤشرات على أن المسار يمضي باتجاه تنفيذ خارطة طريق اتفاق جنيف وصولا إلى الانتخابات في نهاية ديسمبر المقبل، كما تدفع بذلك سفارات القوى الدولية الكبرى وفي مقدمتها السفارة الأمريكية.

البيانات المتتالية من السفارات الغربية لاتعدو توضيح رؤية حكومات هذه السفارات لما ينبغي أن يتحقق حتى لا ينحرف قطار المسار السياسي، ويمضي في مساره على قضبان خارطة الطريق المعدة في جنيف، لأن البيانات وحدها لم تلجم الأطراف المستمرة في العرقلة بمنع الحكومة من العمل في الشرق، ثم إعلان الناطق باسم أحد أطراف الصراع بشكل صريح ومباشر عن عدم وجود أي علاقة سيادية تربطهم بالحكومة، مايعني رفضهم الخضوع لها.

الأطراف المتصدرة للمشهد السياسي والعسكري، والمرتبطة بالقوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع لاترغب في تحقيق أي تقدم من شأنه أن يقرب من إنجاز استحقاق الانتخابات، لأن في هذا إزاحة لهم عن مواقع السلطة. فاشتراط رئيس البرلمان تسمية محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي قبل إقرار الميزانية غير قانوني وغير منطقي، لأن الحكومة التي تنتظر الميزانية لتباشر تنفيذ خطتها أو وعودها لا تملك حق تغيير المناصب السيادية.

مجلسا النواب والدولة هما المخولان بالتوافق على المناصب السيادية وفقا لمبدأ التوافق كما نص اتفاق الصخيرات، كما أن مجرد التوافق بين مجموعة عقيلة ومجموعة المشتري في مباحثات بوزنيقة لايكفي، لابد من تصويت البرلمان في جلسة مكتملة النصاب، لسد باب الطعون القانونية في التكليفات الجديدة.

محاولات سلطة الأمر الواقع التحكم في المسار السياسي وعرقلة أي تقدم من شأنه الاطاحة بهم وصلت إلى التصادم مع سفارات الدول الكبرى، فبعد إعلان الأخيرة في بيان مشترك رفضها لإجراء تغييرات يحتمل أن تعطل عمل الهيئات ذات الصلة بالانتخابات، والمقصود هنا منصب رئيس المفوضية العليا للانتخابات، رد عقيلة صالح والمشري في بيانين منفصلين برفض ماجاء في بيان سفارات الدول الكبرى بحجة أنه تدخل في الشأن الداخلي.

السفراء يدركون أن سلطات الأمر الواقع تعمل على تكريس نفوذها من خلال تقاسم السيطرة على المناصب السيادية، وتخصيص بيان السفراء منصب رئاسة مفوضية الانتخابات وعدم القبول بتغييره له عدة دلالات، أولها أن شاغل هذا المنصب يمكنه التأثير على العملية الانتخابية وتوجيهها في مسار محدد حتى من دون أي خرق للوائح والإجراءات القانونية المنظمة للعملية الانتخابية، ومن الواضح أن السفراء وكلهم على تواصل مباشر بالرئيس الحالي للمفوضية يثقون في نزاهته وجدارته وطالبوا في مرات عدة بدعم المفوضية، الدلالة الثانية هي أن تسمية شاغل هذا المنصب وفقا لتفاهمات بوزنيقة هي من نصيب عقيلة صالح، ومن ثم سيكون بوسعه التحكم في العملية الانتخابية من خلال تكليف شخصية موالية له للمنصب، أما رفض المشري فسببه الرئيس هو انهيار الصفقة إذا تعذر تنفيذها كاملة، إذ سيتراجع عنها صالح إذا لم يحصل على حق تسمية رئيس المفوضية، وبانفراط عقد صفقة تقاسم المناصب السيادية يدق أول مسمار في نعش مجلسي النواب والدولة. المسمار الثاني سيكون فشل اللجنة القانونية المكلفة من مجلسي النواب والدولة في إعداد القاعدة الدستورية للانتخابات، وانجازها من قبل اللجنة القانونية المشكلة من لجنة الحوار السياسي.

وبالنظر إلى مستوى تدخلهم في إدارة الأزمة، ونفوذهم الواسع فيها، من المستبعد تراجع السفراء عن موقفهم، لذلك يرجح أن تغيير شاغلي المناصب السيادية سيؤجل إلى مابعد الانتخابات إن جرت، وستبحث سلطات الأمر الواقع عن بدائل أخرى لتعطيل الطريق نحو الانتخابات.

وماتزال القاعدة الدستورية للانتخابات محل خلاف عميق بين الأطراف المختلفة، وتعذر إنجازها من قبل مجلسي النواب والدولة سيدفع البعثة الأمامية إلى الاعتماد على لجنة الحوار السياسي، التي تشهد لجنتها القانونية أيضا خلافات حول الأساس الدستوري للانتخابات خاصة بند الانتخابات الرئاسية، وإن كانت هذه الخلافات أقل حدة من خلافات مجلسي النواب والدولة، وبالتالي يمكن تجاوزها وإنجاز القاعدة الدستورية مع نهاية يونيو المقبل. ولكن حتى إذا تم التوصل إلى توافق حول القاعدة الدستورية. هل سيقبل الطرف المتحكم في البرلمان تضمينها في الإعلان الدستوري؟ ومن يضمن التنفيذ في مناطق نفوذ رافضي الانتخابات؟ فمثلما حركوا الغوغاء والمليشيات لمنع الحكومة من الاجتماع في بنغازي، بوسعهم الإيعاز لها بتحطيم المقار الانتخابية، أو محاصرتها ومنعها من العمل وإرهاب المرشحين وغيره من الأعمال الكفيلة بمنع إجراء الانتخابات.

وعدت القوى الكبرى بتوقيع العقوبات ضد المعرقلين، ولكن حتى الآن لا إشارة أو تصريح يؤكد عزمهَما على التنفيذ، لذلك لا ينبغي الإفراط في التفاؤل والاستعداد لاستمرار مجلس المنفي وحكومة الدبيبة في السلطة عدة سنوات. ولنوطن أنفسنا على أن اتفاق جنيف مجرد طبعة جديدة مزيدة ومنقحة من كتاب الصخيرات.

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتّابها)