انتخابات ديسمبر والموقف الدولي منها

انتخابات ديسمبر والموقف الدولي منها

مايو 27, 2021 - 11:42

عبد الله الكبير.. كاتب صحفي

مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي حسب خارطة طريق الحل السياسي بدأت المواقف الدولية والمحلية تتبلور وتتضح. فقد شهدت الأيام القليلة الماضية عدة تصريحات من أطراف مؤثرة يمكن من خلالها استكشاف السيناريوهات المحتملة للانتخابات، وهل ستجرى في موعدها المحدد 24 ديسمبر المقبل، لتكون فاتحة لمشهد سياسي مختلف نسبيا يتصدره برلمان وحكومة وربما رئيس، يمتلكون شرعية حقيقية تمكنهم من الشروع في معالجة أزمات البلاد المتعددة؟ وأهمها إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، أم ستؤجل إلى موعد لاحق غير بعيد مع إلزام الجميع به؟ أم ستؤجل إلى أجل غير مسمى لتستمر الأزمة وربما تدخل البلاد في جولة صراع مسلح أخرى.

 رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح صرح بأن الموقف الدولي منقسم. أمريكا والاتحاد الأوربي يدعمان إجراء الانتخابات في موعدها، بينما تعمل دول أخرى على عرقلتها مهما كانت التكلفة. السايح لم يسم هذه الدول ولكن معرفتها ليست بالأمر الصعب، فمندوب روسيا في مجلس الأمن قال في الجلسة الأخيرة حول ليبيا أن " التقدم الأخير في العملية السياسية لن ينجح إلا عند إشراك جميع الليبيين فيها لتصبح شاملة" وبذلك يكون موقف روسيا واضح وصريح، فهي تراهن على فشل مسار جنيف، وترى أن النجاح يتطلب اشتراك جميع الليبيين في الحل. فإذا كانت كل الأطراف السياسية حاضرة عبر ممثليها في ملتقى الحوار السياسي، وستفتح الانتخابات الباب لجميع الليبيين لاختيار ممثليهم ، فما الذي يرمي اليه المندوب الروسي؟

لا تخفي روسيا صراعها مع الدول الغربية في عدة ملفات، تبدأ من أوكرانيا ولاتنتهي بالدرع الصاروخي للناتو في شرق أوروبا، وطالما حملت روسيا المسؤولية على الدول الغربية في انهيار الدولة الليبية بعد التدخل الدولي لدعم ثورة فبراير، وبما أن أمريكا عبر سفيرها في ليبيا هي المشرفة على المسار السياسي الحالي، الذي يهدف في المآل الاخير إلى تحجيم النفوذ السياسي والعسكري في ليبيا، فإن روسيا ستكون من أبرز الدول الساعية لعرقلة الانتخابات، وستجد بجانبها في نفس الموقف بقية الدول التي ساندت حفتر في هجومه على طرابلس، ماعدا فرنسا التي بات موقفها أقرب لمواقف الدول الغربية.

يعتقد البعض أن لروسيا حلفاء من النظام السابق فضلا عن حفتر، ولن تساند أي حل سياسي للأزمة لا يضمن وجود حلفائها في السلطة. هذا الاعتقاد يشكل جزء من الحقيقة فقط، لأن هدف روسيا من تعظيم نفوذها في ليبيا يتجاوز النفوذ والتأثير على القرار السياسي لخدمة مصالحها الاقتصادية، إلى تأسيس وجود عسكري استراتيجي يواجه حصار الدول الغربية لها في شرق أوربا، ومن ثم لن تتنازل روسيا على ماحصلت عليه من دون ثمن، من خلال التفاوض مع الغرب في ملفات الصراع الاستراتيجي المختلفة. ليبيا ستكون مجرد ورقة تفاوضية بالنسبة لروسيا لتعظم من مكاسبها على طاولة المفاوضات مع خصومها، وما تحتاجه هو شرعنة وجودها في ليبيا على غرار وجودها في سوريا.

 الدول الغربية حسمت موقفها في دعم خارطة الطريق المعتمدة في جنيف، وسينعقد مؤتمر برلين 2 حول ليبيا برعاية ألمانيا على مستوى وزراء الخارجية في النصف الثاني من يونيو المقبل. مستوى التمثيل، خاصة الأمريكي، سوف يعكس الجدية من عدمها، في الدفع بالعملية الانتخابية، والمزيد من الضغط لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة. ولانتوقع أي تراجع عن الموقف المعلن عبر كل البيانات الجماعية الصادرة عن سفراء أمريكا وبريطانيا والمانيا وفرنسا وإيطاليا. 

على المستوى المحلي من المسلم به أن غالبية الطبقة السياسية لاترغب في إجراء الانتخابات، وستواصل ابتكار العراقيل والمماطلة، لكن مجال المناورة بات ضيقا أمامها، ولامندوحة لها عن الرضوخ بعد التلويح الأمريكي الصريح بالعقوبات. وبانتظار القاعدة الدستورية وهي محل جدل وخلاف كبيرين. بين من يرى إجراء انتخابات برلمانية فقط، وبين موقف يصر على الرئاسية مع البرلمانية، وبين من يدعو إلى الاستفتاء على الدستور قبل الانتخابات. ربما يتم التوافق الصعب بين كل هذه الخيارات بفعل الضغوط الدولية، ولايجد البرلمان مفرا من اعتماد القاعدة التوافق عليها لئلا يتهم بالعرقلة، ويمضي المسار نحو إجراء الانتخابات في موعدها. غير أن ظهور عقبات تدفع إلى تأجيلها متوقع، فالأطراف الدولية والاقليمية التي لاترغب فيها، مع حلفائها المحليين لديهم وسائلهم للعرقلة، لذلك صرح السفير والمبعوث الأمريكي الخاص لليبيا ريتشارد نورلاند أنه " سيكون هناك ضغط حقيقي للغاية حال تأخر الانتخابات عن موعدها".

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)