ابنتي طالبة كلية التربية

ابنتي طالبة كلية التربية

مايو 29, 2021 - 16:07

د. فتحي الفاضلي | كاتب ومحلل سياسي

إبنتي طالبة كلية التربية...
 إعلمي أن  كلية التربية تعتبر أعلى المؤسسات حساسية ومكانة وأهمية، وأن هذه الأهمية تتضاعف أضعافا مضاعفة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها بلادنا. فأمام كلية التربية أصعب وأنبل وأرقى مهمة. أمامها إعادة صياغة الإنسان الليبي من خلال إعداد المعلم المربي الفعال الكفوء كخطوة أولى نحو بناء الإنسان، خطوة تتلخص في إعداد المعلم الفعال القادر على تطهير عقول ونفوس وقلوب الأجيال الجديدة من عوامل التدمير الاجتماعي والنفسي والثقافي.

ثقي أن الله - سبحانه وتعالى - قد أختارك في هذا المجال (التعليم) كتشريف وتكليف في نفس الوقت، فمهما كانت أسباب التحاقك بكلية التربية، عن رغبة  أو عن غير رغبة، فأنت الآن ضمن طلبة أهم كلية في ليبيا، بل أهم الكليات في العالم المتقدم. أنت الآن أحد عناصر العلم والتعليم الأساسية فتذكري أن الحبيب صلى الله عليه وسلم أول  وأفضل وأعظم معلم.

فأدركي أهميتك ومكانتك وتكريم الله وتشريفه لك بأن اختارك طالبة في هذه الكلية وأعملي جاهدة على أن تكوني ممن يستحق هذا التكريم وهذا التشريف، وممن يستحق حمل هذه الأمانة وهذه الرسالة العظيمة، وأحرصي - مرة أخرى - على أن تكوني على مستوى هذا التكريم والتشريف بصرف النظر عن نظرة المجتمع أو الناس إلى كليات التربية، وإلى مهنة التعليم وإلى العلم بصفة عامة، وبصرف النظر عن السبب الذي أتى بك الى كلية التربية،  فالمطلوب منك  - بصرف النظر عن كل ذلك - التفوق والإبداع وإثبات مقدرتك على أداء الأمانة واكتساب كم هائل من المهارات والقيم والمفاهيم والسلوكيات بنية استخدامها لاخراج الجيل المطلوب. 
لو أدركتِي حجم التكريم الذي أغده الله علي،  فستدركي قيمة وأهمية ومكانة نفسك، وستدركي أيضا وبكل تأكيد أهمية وحساسية وعلو المهام المناطة بك تجاه تلاميذك وتجاه التعليم وتجاه بلدك. 

وستكتسبي – إن أدركتي حجم التكريم الآلاهي  - ثقة عالية في نفسك وستكون هذه الثقة زادا وعونا ودعما لمسيرتك مسيرة البذل والتضحية والعطاء.

لقد كرَّم الله سبحانه وتعالى المعلم طبقات من التكريم بعضها فوق بعض، لأنها مهمة خاصة عظيمة حساسة راقية. هي وبكل إختصار أعظم وأرقى وأشرف مهنة، إن صح تسميتها مهنة، وأعلمي أنه ليس كل ما يجري في حياة الإنسان مجرد صدفة، فوجودك في هذا العالم -  عالم التعليم - ووجودك في كلية التربية بالذات قد يكون نتاج تمحيص واختيار وتكريم وتكليف من الله سبحانه وتعالى.

تأكدي – إبنتي طالبة كلية التربية - أن مسيرتك لتصبحي معلمة نشطة فعالة كفؤة تبدأ من اليوم الأول من التحاقك بكلية التربية، فأعطي لدراستك ما تستحقه من وقت وجد وجهد  واستعداد واعداد واجتهاد. 

انجزي واجباتك ومهامك العلمية باتقان، إرفعي سقف  طموحاتك وإهتماماتك وأحلامك، إلغي من قاموس حياتك الكسل والتسويف والتحبيط والإحباط..

لا تستسلمي للضغوط ولا تسجني نفسك في صندوق ضيق  تصنعينه بأيديْك، صندوق مليء بالتأجيل والتسويف والعجز والكسل والإتكالية والإعتماد على الغير، والتقصير واجترار المعاذير والقصور، بل رتبي إهتماماتك وأولوياتك الدراسية والحياتية والإجتماعية. صحيح أن عليك أن تعرفي حقوقك جيدا، ولكن اعرفي – قبل كل  ذلك – دورك وحدودك وواجباتك. 

تفائلي، اقبَلي التحدي والتنافس المشروع، قاومي، وارتَقي بطموحاتك إلى أعلى درجات التفوق والتمايز والعطاء والإبداع والإيثار والإتقان، فأمامك وطن يتطلع إليك، وطن ينتظر منك أن تربي جيلا قادرا مبدعاً مخلصاً جاداً ومتفوقا، فلا تنتظري إذناً من أحَد لتخدُمي بلدك.

إبنتي طالبة كلية التربية...  
  لا تثقلي كاهلك بالمواد  (الساعات أو الوحدات)  من أجل أن تسارعي بالتخرج، أو من أجل التخرج في وقت محدد حتمته ظروف مادية أو اجتماعية، فبعض الطالبات يحاولن تصفية أكبر قدر من المقررات، أو الحد الأقصى من الساعات المسموح بها في الفصل الدراسي الواحد، يُصرن على ذلك بالرغم من أنهن غير قادرات على تصفية هذا العدد من المقررات لأسباب إجتماعية أو مادية أو علمية أو مكانية (مكان إقامة الطالبة على سبيل المثال) وغير ذلك من الأسباب. 
وأعلمي أن تنزيل أو تسجيل مقررات فوق طاقة الطالبة يعتبر من أهم اسباب  الفشل والتوتر ولضغوط، وأحد أهم الأسباب الرئيسة للتعثر، ما يحول مسيرة الطالبة التعليمية إلى معركة أو جحيم أو رحلة مليئة بالنكد. 

أتحدث هنا عن وقائع ومواقف وأحداث عملية رأيتها وعشتها مع عديد الطالبات في كل فصل دراسي تقريبا. مواقف مليئة باليأس والإحباط والدموع بسبب ما تواجهه الطالبة من ضغوط صنعتها بايديها.  

ولا يخفى عليك أن  المعاناة والتوتر والضيق من الأسباب الرئيسة التي ستضيفك إلى قائمة المتعثرين في أغلب المقررات، بل وقد تقومين بترحيل أكثر من مادة في أكثر من فصل دراسي ما يؤخر تخرجك، الأمر الذي كنت تحاولين تفاديه منذ البداية، ليس ذلك فحسب، فقد تكون هذه الضغوط سببا في الانسحاب نهائيا و ترك الدراسة أصلاً.  

 إبنتي طالبة كلية التربية... 
أعتمدي على نفسك ثم اطلبي العون من زملائك، وليس العكس. لقد عاصرت مواقف محزنة تصب في هذا الإطار، مثل فوات موعد آخر يوم لتسليم بحث أو مشروع  أو تجربة، أو تاريخ آخر يوم لإسقاط مقرر ما، أو موعد تقديم الطعون أو مواعيد امتحانات نصفية أحيانا، وأمور أخرى عديدة تؤثر سلبيا على مسيرة الطالب العلمية.

بعض الطالبات يقدمن أسباب غير مقنعة  للتغيب عن الإمتحان أو نسيان موعده أو موعد الطعون أو فوات مواعيد، وتواريخ مهمة أخرى تخص المادة، أسباب تصيب المرء بالمرارة من ناحية وبالشفقة على الطالبات من ناحية أخرى. أسباب وشروح وإجابات تدل على فقدان التواصل المهني من قبل الطالبة مع أستاذ المادة. وكان من الممكن تفادي كافة المشاكل والسلبيات عبر الاتصال المباشر باستاذ المادة، بدلا من الإعتماد على الزملاء.   

فغالبا ما أسمع جمل وتبريرات ومفردات تدل على اهمال واضح من قبل الطالبة، منها على سبيل المثال:  "كنت أعتقد أن الامتحان غدا"،"  قيل لي أن الامتحان ربما تأجل"،" لم أسمع بذلك"، "سمعت  أن..."، "لم يقل لي أحد"،  "قيل لي"، "قالت لي فلانة"، وغير ذلك من مصطلحات ومبررات وجمل يجب أن تطمسها الطالبة من قاموسها نهائيا وتعتمد - بعد الله سبحانه وتعالى -  على نفسها عبر الإتصال المباشر باستاذ المادة أو رئيس القسم أو منسق الدراسة والإمتحانات أو المسجل أو القسم بصفة عامة، أو أحد المسؤولين من  ذوي الإختصاص حسب طبيعة وموضوع  السؤال أو الإستفسار. 

وبالرغم من أن تيسير وتسهيل وتوفير وسائل التواصل بالطلبة والإلتزام بذلك تعتبر أحد أهم  واجبات الأساتذة، ولكن على  الطالبة - أيضا-  أن تبذل جهدا مضاعفا للإتصال بأستاذ المادة، ما  سيعينها على اللحاق بزميلاتها وبمطلبات المادة أو بالنشاط أو الواجبات التي تم تغطيتها بأيسر وأسهل وأصح الطرق. 

ابنتي طالبة كلية التربية....  
أسالي نفسك –  بخصوص ممارسة الغش - كم ستنجحي في هذه الممارسة القذرة ؟ مرة،  مرتين؟ امتحان، اثنين، ثلاثة؟ مادة، مادتين؟ فصل دراسي، فصلين؟  هل ستُنهين دراستك بأكملها بالغش؟ والاجابة بالطبع "مستحيل". 
فمن الأفضل  أن تبذلي الجهد الذي تبذلينه في الغش، في المذاكرة والاستعداد للامتحانات. 

 كذلك لا تنسي نتائج ومواقف وتبعات ضبط حالات الغش، وأقلها نظرة الأستاذ إليك والانطباع الذي ستتركينه عنك في ذهن الاستاذ، بالإضافة إلى فقدان الثقة، الإحراج، الرسوب، الحرمان من امتحانات أخرى، الحرمان من الامتحان النهائي، إحراج  لولي أمرك، وغير ذلك من مواقف انت غنية عنها. لو فقط تبذلين جهدا مضاعفا. 

إبنتي طالبة كلية التربية...  
إجتهدي في أن تتفوقي في كل مادة، فبعض الطالبات يولين إهتماما مضاعفا لمقررات دون مقررات،  يُظهرن – على سبيل المثال – إهتماما كبيرا بمواد التخصص، ويُظهرن إهتماما أو  أقل جدية بالمقررات العامة أو بالمقررات الاختيارية أو التربوية أحيانا، بالرغم من أن المواد التربوية هي العمود الفقري لكلية التربية، بل السبب في أن كلية التربية سميت بـ "كلية التربية". 

عليك أن تُدركي بأن الدرجة التي تتحصلي عليها في أي مقرر مهما كانت طبيعته: عام، أو تربوي، أو تخصصي، أو إختياري، قد تهبط بمعدلك العام إلى أسوأ ما تتصورين، إذا أهملتي أو تعثرتي في المادة، أو يرتفع بالمعدل إلى أعلى معدل تراكمي إذا تفوقتي في المادة، كما عليك أن تدركي أن تخصصك هو التربية والتعليم، فجميع المواد العامة والتربوية ومواد قسمك والمواد الاختيارية تعتبر جميعها من صميم تخصصك. 

تجنبي ممارسات عدة أخرى لا تليق بأي طالب في أية كلية، بل لا تليق بتلميذ، فما بالك بطالبة يتوقع منها أن تُصبح مربية ومرشدة وموجهة، فشريحة من الطالبات يعتقدن أن العلاقة العلمية بين الطالب والأستاذ هي كالعلاقة بين القط والفار، شيء من الغش، كذبة هنا، وكذبة أخرى هناك، مفاوضات حول واجب أو اثنين، تبريرات مطولة لا داعي لها، حول أسباب الغياب غير المبرر،أو حول التقصير في واجب، أو التعثر في امتحان،  تزوير في شهادة مرضية، نسخ واجب أو مشروع أو بحث من النت أو من طالبة أخرى وكتابة اسمك عليه، الدخول إلى المنظومة واستخدام كلمة السر لزميلتك (التي وثقت بك) وازالتها من القائمة وتسجيل إسمك بدلاً منها، أو الدخول إلى المنظومة لتحلي محل زميلة أسقطت المادة، تفعلين ذلك بعيدا عن أعين المشرف الأكاديمي أو بعيدا عن مسؤولي قسمك، أو التسجيل في مادتين أو أكثر في نفس الوقت، فتغيبي عن مقرر مرة، وتغيبي مرة أخرى  عن  المقرر الأخر بالتناوب، أو إخفاء- عن اساتذتك - معلومات تتعلق بجدولك الدراسي  من تعارض وغيره، فتثقلي نفسك بأحمالا لا تطيقينها، قد تؤدي بك إلى عدم تصفية المادتين. 

وأدركي - إبنتي طالبة كلية التربية - وكما نوهنا سابقا، بأن الظروف والصعوبات والعوائق لم توجد لتمنعنا من التقدم في مسيرتنا التعليمية، ولم توجد لتمنعنا من إنجاز أهدافنا، بل وجدت لنزيحها من الطريق من أجل أن نواصل مشوارنا نحو تحقيق أهدافنا، فهناك منا من يقاوم الظروف بإصرار إلى أن يزيحها، وهناك منا، من  يستسلم لها بسهولة إلى أن تعيقه، فكوني ممن يقاومها.
المشاكل  والعوائق  والظروف والعراقيل والصعوبات والمحن لم توجد لتوقفنا وتعجزنا  وتعيقنا، بل وُجدت لنتحداها، لنتعامل معها، لنقاومها، لنعالجها، لنجد لها الحلول، لنحطمها، لنزيحها من طريقنا، كي نواصل المسير نحو تحقيق أحلامنا وطموحاتنا  ومهامنا  وواجباتنا  وأهدافنا ومسؤولياتنا. 
اعلمي أن مسيرة حياتك العلمية أو مسيرة الحياة  بصفة عامة كمن يريد أن يجتاز غابة إلى الضفة الأخرى، حيث الأمن والأمان والسلام، ولكن  أثناء محاولتنا لاجتياز تلك الغابة ستواجهنا بالتأكيد عشرات المشاكل والعوائق والمخاطر والمفاجآت (حيوانات، مستنقعات، أشجار كثيفة، فخاخ... إلخ). هذه الحيوانات المفترسة والمستنقعات والعوائق تمثل الظروف والعوائق والصعوبات.التي تواجهنا في حياتنا، وعلينا اجتيازها  إذا أردنا أن نصل إلى بَر الأمان. 

لقد عاصرتُ طالبات يغمرهن الفرح والبهجة والسرور لمجرد تصفية مقرر ما، حتى ولو كانت الدرجة التي تمت بها تصفية المادة هي أقل درجة (50 من 100)،  بل رأيت بعض الطالبات يستجدن بمذلة أستاذ المقرر من أجل التكرم عليهن بدريجات تؤهلهن لتصفية المادة، وتراهن في قمة السعادة بعد أن يتقضل عليهن الأستاذ بتلك الدُّريْجات". 

الأمر المحزن أن مثل تلك الطالبات قادرات على تصفية المواد بإمتياز، فقط لو أحدثنا شيئا من التغيير في نمط مذاكرتهن أو دراستهن أو جدولهن أو تنظيم وإدارة وقتهن إدارة جيدة، أو تصحيح بعض مفاهيمهن حول الثقة بالنفس. بمعنى أن أؤلئك الطالبات لا يعانين من صعوبات التعلم على سبيل المثال، لكل  ذلك عليك السعينحو الافضل والأصعب والأعلى.  

اسعَي – ابنتي طالبة كلية التربية - إلى التفوق، وأدركي أن الحد الأدنى من النجاح  قد يحققه الكثيرون، لكن التفوق لا يصل إليه إلا القلة العاملة الصابرة المثابرة، فكوني منهم. وثقي بقدرتك على أن تكوني منهم فعلا، ولن تكتشفي مقدراتك وإمكاناتك ومواهبك ومهاراتك إلا إذا رفعتي سقف طموحاتك وبذلتي الجهد للوصول إلى تلك الطموحات. 

اطردي العجز والكسل والتواكل والوهم من نفسك وعقلك وفؤادك وقلبك، عندها ستكتشفين إبداعاتك ومواهبك ومقدراتك. ولا تلهثي - إبنتي طالبة كلية التربية - وراء الحد "الأدنى"، ولا تميلي إلى "الأقل" و"الأسرع" و "الأسهل" و"الأبسط"، ليس فقط في مسيرتك التعليمية بل وفي جميع جوانب الحياة بما في ذلك مسيرة حياتك العملية والأسرية، وأعلمي أنه لا سقف للأحلام والطموح والأهداف، فانسجي بقلب مؤمن، طموحات عالية تعانق عنان السماء. والله ولي التوفيق.

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتّابها)