الحمار ورائحة الضبع

الحمار ورائحة الضبع

يونيو 24, 2021 - 13:28

عبد الله الكبير.. كاتب صحفي

 قبيل انعقاد جلسة مؤتمر برلين 2 بساعات، خرج أحمد المسماري الناطق باسم خليفة حفتر معلنا عبر بيان مكتوب أنهم يدعمون جهود السلام والاستقرار وعودة المسار الديمقراطي، وتأييد عقد انتخابات على قاعدة دستورية تسمح للجميع الدخول في المسار الانتخابي بدون شروط مسبقة. ويقصد هنا عدم اعتماد الشرط الذي يمنع العسكريين من الترشح مالم يغادروا الخدمة العسكرية قبل سنة من موعد الانتخابات، وكذلك إلغاء شرط عدم ازدواج جنسية المرشح. أو بمعنى أوضح تفصيل قانون الانتخابات على مقاس حفتر وشخصيات أخرى قريبة أو موالية أو مقربة منه.

 وفي بقية البيان تأييد للحوار السياسي، مايعني أن معسكر حفتر لم يعد يعول على البرلمان، برجوح انتظار الأمم المتحدة والقوى الدولية حسم القاعدة الدستورية للانتخابات عبر ملتقى الحوار السياسي. وتخلل البيان فاصل كوميدي دعا فيه المسماري إلى خروج القوات الأجنبية النظامية والمرتزقة.

 خلال الأسابيع الماضية نفذ حفتر عدة خطوات مؤملا التأثير على الأجندة الدولية في مؤتمر برلين، فهو لن يكون حاضرا أو ممثلا فيه كما كان الحال في مؤتمر برلين 1. لذلك بادر باستعراض قوته العسكرية في عرض عسكري كلاسيكي، تجاهلته القوى الكبرى فلم يصدر أي تعليق أو تصريح بشأنه، ولم تتجاوب السلطات المحلية مع دعوته لحضوره، ثم أعلن عن إطلاق عملية عسكرية في الجنوب، وقفل معبر حدودي مع الجزائر، تجاهلته الحكومة الجزائرية بينما علق جنرال جزائري ساخرا من ضعف قدراته العسكرية أن حفتر لا يصلح حتى طباخا في معسكر.

 وفي خطوة أخرى تعكس الارتباك والصدمة من التطورات الجارية، مع استمرار تجاهل القوى المحلية والاقليمية والدولية له، رفض حفتر فتح الطريق الساحلي من الجهة التي تسيطر عليه قواته، ثم عاد وتراجع معلنا عبر اللجنة العسكرية أن الطريق سيفتح خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد إجراء صيانة عاجلة للاجزاء المتضررة وترتيب البوابات الأمنية.

 استمر الحراك الدولي والنشاط الدبلوماسي تمهيدا لمؤتمر برلين ولم يكترث أحد بمحاولات حفتر إثارة الانتباه ويدعى للحضور كما كان الحال في برلين الأول، أو على أقل تقدير أخذ تحركاته على محمل الجد، ومضت الأطراف الدولية الفاعلة سياسيا بالتأكيد على وقف الحرب، ودعم الانتخابات في موعدها، وخروج المرتزقة والقوات الأجنبية دون تأخير.

 أدرك حفتر في الساعات الأخيرة عشية انعقاد المؤتمر أن حلفاؤه ابتعدوا مسافة عنه، وشرعوا يبحثون عن مصالحهم الخاصة وفقا للتطورات الجارية، ولم يبق معه سوى قناة العربية، ولكنها غير كافية لوحدها لإقناع الجمهور أن حفتر هو الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه ولن تنفذ مخرجات برلين إلا برضاه. وللانصاف، فقد بذلت العربية قصارى تضليلها ودعاياتها من أجل إعادة تعويمه، وخصصت مساحات مناسبة لنشاطاته وبياناته الأخيرة، ساعية للحفاظ عليه إعلاميا حتى لا يطويه النسيان.

 ثمة تشابه كبير بين بيان المسماري الأخير وبيان إعلان الهزيمة في معركة طرابلس مغلفة بأقنعة الانسحاب التكتيكي وإعادة التموضع. كلاهما صدر في الوقت بدل الضائع، رغم أن مؤشرات نهاية الطريق كانت واضحة في الحالتين. وتجدر الإشارة هنا إلى قصة الحمار الذي اشتم رائحة ضبع ولكنه فضل تجاهلها ماضيا في مرحه بين أشجار الغابة، ثم اشتدت الرائحة باقتراب الضبع، ومع ذلك استلقى الحمار تحت ظل شجرة لينعم بالقيلولة وبين النوم واليقظة زادت شدة الرائحة وحاصرته واستنشقها، فقام فزعا. وفي اللحظة التي قرر فيها إطلاق سيقانه للريح سمع قشاع الضبع الذي انقض عليه غارزا أنيابه الحادة في عنقه.

 كان من العسير أن يفهم الإنقلابي أنه منح فرصة لا تتكرر لينجز مشروعه بسهولة، إذ وفرت له القوى الدولية والاقليمية دعما غير محدود، وعطلت الدول العظمي مشروع ادانته في مجلس الأمن، وتدخلت فرنسا لتخفيف حدة بيانات الاتحاد الأوربي، ونزلت المقاتلات الروسية والإماراتية بقنابلها وصواريخها تقصف معه، ومع ذلك فشل في اقتحام العاصمة وإعلان بيانه الأول مكرسا نفسه حاكما أوحدا للبلاد. الأمر يشبه تواطؤ حارس مرمى في مباراة كرة قدم مع مهاجم منافس أرعن، كان المطلوب منه فقط تسديد الكرة بين الخشبات، وسيتظاهر الحارس بمحاولة صدها ولكنه سيتركها تعانق الشباك، غير أن المهاجم البليد سدد الكرة نحو مدرجات الملعب. 

 مضطرا سيرضخ حفتر ومن ورائه الغوغاء من أتباعه للتوجه الدولي الجديد الذي تشرف عليه الإدارة الأمريكية. وبعيدا عن حالة الحرب والصراع، ميدانه الذي يتوهم أنه لعبته المفضلة، لن يكون له دور حقيقي في القيادة والتأثير، إذ أمسى مجرد ورقة في لعبة الأمم، وسيرصد فرصة نادرة قد تأتي ولن تأتي لإجهاض المسار السياسي وتعطيل الانتخابات، وفي نفس الوقت سيسعى لتوجيه الانتخابات لمصلحته في مناطق نفوذه، فيدفع بمواليين له لخوضها حتى يحتفظ بما تحصل عليه من البرلمان السابق، ويتجنب طريق المحاكم والعقوبات، فهذا أقصى مايطمح إليه في المرحلة الراهنة. 

 أما من سانده من المرتزقة المحليين فسوف يمضي الكثير من الوقت حتى يدركوا كارثة جلب مرتزقة فاغنر، ووضع البلاد المنهكة على خط التماس الملتهب بين روسيا والقوى الغربية. لقد تعفن الهواء بنتانة الضبع منذ رست حاملة الطائرات الروسية بشواطئ طبرق، ثم انتشرت على طول البلاد، غير أن غالبية الحمير تجاهلتها، أما الحمير الأكثر ذكاء فقد تنشقتها بعد أن كشر الضبع أنيابه.

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)