محاولة فرنسية أخرى

محاولة فرنسية أخرى

يوليو 24, 2021 - 20:37

عبد الله الكبير.. كاتب صحفي

عبد الله الكبير

 نشر موقع إي يو أوبزيرفر وثيقة عن مخطط يدرسه الاتحاد الأوربي لنشر قوات عسكرية في ليبيا، في مسعى أوروبي لموازنة الوجود العسكري لدولة لم تذكرها الوثيقة بالاسم، مكتفية بالاشارة لها بالدولة الثالثة. يفهم من سياق التقرير أنها تركيا، وأن الاتحاد الأوربي لابد أن يدفع بقوات عسكرية إلى ليبيا لمنافستها، تحت غطاء مساعدة الحكومة الوطنية في نزع سلاح الفصائل المسلحة ودمج المقاتلين وبناء قطاع الأمن.

 الاتحاد الأوربي لم يأخذ الأزمة الليبية على محمل الجد ولم تكن استجابته في مستوى التحدي، وافتقد للمبادرة لمساعدة ليبيا على بسط سيطرتها على حدودها الشاسعة، تاركا أجندة الدول الأوروبية تتنافس وتتصارع وتتصادم في ليبيا، خاصة إيطاليا وفرنسا. 

ولعل مؤتمر برلين الأول كان بداية الصحوة الأوربية لتدارك مافات. بالعودة الي ممارسة دور قيادي وفاعل في الأزمة الليبية. خاصة مع تقدم روسيا وتركيا، اللتان تلعبان الدور الأكبر إلى جانب أمريكا في الأزمة الليبية، ثم التعزيز بمؤتمر برلين الثاني. غير أن النتائج محدودة حتى الآن. فالهدف الرئيس للأجندة الأوربية هو الحد من النفوذ الروسي والتركي بإخراج قواتهما العسكرية، التي من شأنها منحهما الأفضلية في التأثير على السياسة الليبية، والتحكم في تدفقات النفط والغاز والهجرة غير النظامية، فضلا عن التهديد الاستراتيجي الذي تمثله روسيا لبعض الدول الأوربية.

 تركيز الوثيقة على تركيا بوصفها الدولة الثالثة، من دون الاشارة لروسيا يكشف البصمات الفرنسية على تفاصيل الوثيقة المسربة. لأن فرنسا ترى في تركيا خطرا على مصالحها ونفوذها في كل المنطقة وليس في ليبيا فحسب. رغم أن التهديد الحقيقي في مناطق النفوذ الفرنسي، بإثارة الاضطرابات في تشاد ومالي، كانت وراءه مجموعات فاغنر الروسية وليس تركيا.

 الوثيقة تطالب الاتحاد الأوروبي بدعم السلطات الليبية في تأمين الحدود الجنوبية، وهو مايسهل على فرنسا محاصرة الوجود التركي، وتقديم المزيد من الدعم لحليفها حفتر، ومساعدته في بسط سيطرته على الجنوب، بغطاء شرعي من الحكومة الليبية المعترف بها دوليا. 

 تدرك فرنسا أنها غير قادرة على مواجهة تركيا منفردة، لذلك سعت خلال العام الماضي لحشد دول الناتو وفشلت، ثم حاولت تمرير أجندتها عبر الاتحاد الأوروبي، ولم تنجح إلا في تعطيل تبني الاتحاد موقفا قويا من حرب طرابلس. وهاهي تكرر المحاولة عبر الوثيقة المسربة لموقع أوبزيرفر، ولعل التسريب مقصود من دولة أوروبية لإفشال المخطط الذي يبدو في ظاهره محايدا بين أطراف النزاع، ويهدف لتبني خطة لحماية الأمن الأوروبي، ولكن من بين السطور تبرز أجندة فرنسية تسعى لتقويض الوجود التركي في ليبيا من خلال استخدام قوة الاتحاد الأوروبي.

 سياسة فرنسا في ليبيا افتقدت للبراغماتية، فالمصالح السياسية والاقتصادية الفرنسية لم تعد هي البوصلة الموجهة لها. وهي سياسة تعكس العمى الأيديولوجي. فالسلطة الحالية في فرنسا محكومة بالفوبيا الإسلامية، وترى في أي نهوض إسلامي في شرق المتوسط خطرا وجوديا لابد من مواجهته، بينما لا يصدر عنها أي رد فعل حقيقي تجاه التوغل الروسي في مستعمراتها الأفريقية السابقة.

 سوف تمضي فرنسا على نفس النهج. محاولات متواصلة بطرق وشعارات وأساليب مختلفة، لدفع الاتحاد الأوروبي إلى تبني الأجندة الفرنسية في ليبيا. وبسبب تباين الرؤى، واختلاف مصالح الدول. وعودة بريطانيا بقرار مستقل عن الاتحاد، مع موقف قوي ضد الوجود الروسي في ليبيا. ستحصد فرنسا مزيدا من الفشل. ولامندوحة لها من الرضوخ للموقف الأمريكي البريطاني. مصدر التهديد الحقيقي هو روسيا وليست تركيا الحليف والعضو في الناتو. والاجماع الدولي في مؤتمر برلين وفي مجلس الأمن هو خروج كل المقاتلين الأجانب من ليبيا، مع حفظ التوازن العسكري تجنبا لحرب أخرى.

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)