مطولة   2/1

مطولة   2/1

أغسطس 08, 2021 - 14:19

الكاتب الصحفي عبدالله الكبير

الكاتب الصحفي عبدالله الكبير

 من أكثر المصطلحات تداولا بين النشطاء على مواقع التواصل مصطلح مطولة، مفردة واحدة ترد كتعليق على خبر أو حدث أو موقف أو بيان، تغني عن عشرات السطور في توضيح مآلات حالتنا الراهنة، ويصف في الوقت نفسه حالة الاحباط وخيبة الأمل التي أصابت المتلقي وهو يتابع الخبر أو الحدث.


 ما ضاعف من هذا الاحباط هو سقف التطلعات والآمال العالي عقب إسقاط النظام الشمولي، مع الوعود الكبيرة التي دأب فصيل من السياسيين على اطلاقها، ثم يختمون تفاؤلهم بعبارة " الخير جاي" وهو ما يعكس قلة بضاعتهم في عقبات ومصاعب تغيير الشعوب، وحجم المكابدة والمعاناة التي تصاحب مراحل التحول، حتى تصل الشعوب إلى الاستقرار المنشود، وتحقق كافة الأهداف والتطلعات والأمنيات التي ثارت من أجلها. 


 يخبرنا التاريخ أن مرحلة التغيير الجذري في عمر الشعوب تحتاج إلى جيلين، فالتغيير الشامل، ومن اتجاه إلى اتجاه معاكس يحتاج إلى أربعين سنة تقريبا، لأن الجيل يقدر بنحو عشرين سنة، وهي مدة زمنية كافية لتغير النفوس والعقول وطرق التفكير عبر أجيال جديدة تقطع بشكل شامل مع ماقبلها.


 تشكلت بدايات وعيي مع أواخر السبعينات من القرن الماضي، ورغم الاطاحة بالنظام الملكي قبل سنوات قليلة، إلا أن إيقاع الحياة اليومية والسمات العامة استمرت من دون تغيير يذكر كما كانت في الزمن الملكي. رأيت حالة الهدوء النفسي لدى معظم الناس. كانت  البساطة تسود كل مناحي الحياة، ولم تكن ثمة تناقضات طبقية واضحة. يحرص الغالبية على مراعاة القيم والأعراف السائدة، وتنتشر وروح التعاون والتكافل والتسامح بين الناس. لا أحد يكثرت بالسياسة إلا في نطاق محدود يخص القضايا الكبرى للأمة. فالجميع منصرف إلى متابعة شؤونه الخاصة.

ومع أفول الزمن الملكي كانت تلوح في الأفق ملامح عصر جديد يتشكل، وينطلق ماراثون التحول بعدة إجراءات عاصفة. تغيير العملة، تأميم الممتلكات الخاصة، إلغاء القطاع الخاص، التجنيد الإجباري وعسكرة المجتمع، ثم الحرب مع تشاد. اصطف الناس أمام المصارف في أرتال طويلة لإيداع مدخراتهم، ينتابهم الخوف من ضياعها، واستلام ألف دينار فقط من العملة الجديدة، لم يعرف الضباط بسبب عدم خبرتهم في إدارة شؤون البلاد، وسيلة أخرى تدفع الناس للوثوق في النظام المصرفي فيقبلوا طوعا إيداع مدخراتهم في المصارف، رغم توفر وسائل الدعاية والإعلام، تلفزيون وراديو وصحافة. تعلم الناس الحيل المختلفة لترويض العاصفة التي اجتاحت سكينتهم، ودفع بعضهم الرشاوى لتفادي التأميم، وعمد البعض إلى احداث إعاقة ببدنه لتجنب الانخراط في التدريب العسكري. واستمر النظام العسكري في سياساته لتغيير المجتمع بالتوازي مع صعود حكم الفرد. خلال ثلاث عقود انقلب المجتمع رأسا على عقب وتفشت فيه الأمراض الاجتماعية. الرشوة، ونهب المال العام، والنفاق والتزلف، والطباع الخشنة، والكره المتبادل. 


 يقول الفيلسوف الصيني لاوتسه في كتاب التاو " عندما تدار الأمور بلطف فالناس بسطاء، وعندما تدار بفظاظة تخبث نفوسهم"


 في القصص القرآني دروس وعبرة حول الشرط الأساسي لإحداث التغيير الشامل. فقد رأى قوم موسى عليه السلام بأم أعينهم الفرعون الذي سامهم سوء العذاب غريقا، وكان قاب قوسين من الفتك بهم، ووقفوا على كل المعجزات التي أجراها الله على يد موسى عليه السلام، حتى اهتدوا إلى التوحيد، ولما مروا في طريقهم على قوم يعبدون الأصنام استيقظ في نفوسهم الحنين إلى الزمن الوثني، وطلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم أصناما مثلها، وانطلت عليهم السامري فعكفوا على عبادة العجل الذهبي، وفضل النبي هارون عليه السلام التريث وعدم إثارة الفتنة والشقاق منتظرا عودة موسى عليه السلام، وبعد القضاء على فتنة السامري ونسف العجل، رفضوا بذل الجهد وتحمل المكابدة حتى يدخلوا إلى الأرض الموعودة، ويؤسسوا حياتهم الجديدة بعد أن نجاهم الله من حكم الظالمين. لقد فسدت طباعهم، وتشوهت فطرتهم، وتحطمت نفوسهم بسبب عقود الذل والقهر تحت سلطة الطاغية المتأله، ولما يأس النبي من إصلاحهم، فرض الله عليهم التيه في الأرض أربعين سنة، وهي كافية لفناء الأجيال التي نشأت وتكونت في زمن الطغيان والجهل والعبودية، ليولد بعدها جيل جديد بفطرة سليمة وإيمان بوحدانية الله، متحررا من آثار الخضوع لحكم الطغيان، فيتقدم لينجز المهمة ويحقق الوعد.
        يتبع

 

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)