تقدم في المسار العسكري وتأزم في المسار السياسي
عبد الله الكبير | كاتب صحفي
بالتوازي مع اختراق مفاجئ ولافت على الجانب العسكري، تتصاعد الأزمة بين البرلمان وحكومة الوحدة الوطنية، بعد دعوة عقيلة صالح ومجموعة من أعضاء البرلمان الحكومة للمساءلة، ورفض رئيس الحكومة الاستجابة بسبب ارتباط مسبق خارج ليبيا في نفس الموعد الذي حدده البرلمان للمساءلة، ماينذر بتأزم العلاقة بين الجانبين، وتزايد احتمالات تنفيذ عقيلة صالح ماهدد به قبل أسابيع بسحب الثقة من الحكومة أو الذهاب لتشكيل حكومة موازية في الشرق والعودة إلى حالة الانقسام.
التطور اللافت على الجانب العسكري والذي أثار ردود فعل متباينة، هو اللقاء الذي تم في منطقة الشويرف بين أمر الكتيبة 166 التابعة لعملية بركان الغضب، وأمر لواء طارق بن زياد التابعة لعملية الكرامة.
قبل هذا اللقاء بنحو أسبوعين، كانت منطقة الشويرف بؤرة توتر بسبب قيام مجموعات مسلحة بقطع مياه النهر الصناعي عن المنطقة الغربية من غرفة التحكم الرئيسية الواقعة بها، وهي جريمة في حق الملايين تكررت مرات عديدة، وسبق لحفتر أن أقدم عليها أثناء عدوان مليشياته على العاصمة.
بعد قطع المياه اقتحمت بعض مليشيات حفتر المنطقة الواقعة على خط التماس، وتأهبت قوات بركان الغضب للرد، وعلى الفور حذرت البعثة الأمامية من تجدد الاشتباكات وتقويض اتفاق وقف إطلاق النار، والمرجح أن بعض الأطراف الدولية تدخلت لوقف التحشيد العسكري، والضغط من أجل هذه الخطوة تمهيدا لتشكيل قوة مشتركة من الطرفين.
معسكر حفتر كان منقسما حول هذه الخطوة، لأن المسماري سارع بنفي المراسلة، التي يطلب فيها أمر كتيبة طارق بن زياد عمر امراجع من حفتر، الموافقة علي لقاء القيادي البارز في عملية بركان الغضب محمد الحصان، قبل أن تنتشر صور اللقاء والإعلان عن تشكيل قوة مشتركة لتأمين الطرقات بالمنطقة وخطوط النهر الصناعي ومطاردة الجماعات الإرهابية.
ولكي يبدو وكأن الأمر مرتب سلفا، وأن الحكومة غير بعيدة عن هذا التطور، أصدر رئيس الحكومة بصفته وزيرا للدفاع تكليفا لأمر الكتيبة 166، بالتحرك بقوة مجهزة لمنطقة الشويرف وتأمين منظومة النهر الصناعي.
لكن الاتصالات بين الحصان وامراجع والتنسيق للتعاون في هذه المهمة سبقت كل المراسلات، وتجاوزت اللجنة العسكرية 5+5 التي يتسم عملها بالبطء الشديد فضلا عن العجز في تحقيق أي تقدم في مهامها، ولكن هذا التطور على الجانب العسكري لم ينعكس على الجانب السياسي الذي يتجه إلى التأزم، بالفشل في التوافق على القاعدة الدستورية للانتخابات، والأزمة الطارئة بين البرلمان والحكومة.
على الجانب السياسي باشر عقيلة صالح في تنفيذ تهديدات سابقة بالعودة لحالة الفوضى، بالتصعيد مع الحكومة، ملقيا عليها تهم عدم الوفاء بالتزاماتها وفشلها في إنجاز وعودها، رغم أنه يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية في أي اخفاق للحكومة بتعطيله تمرير الميزانية، وعرقلة المليشيات لحركتها في الشرق.
دوافع الدعوة لمساءلة الحكومة كما طرحها صالح علي شاشة العربية الحدث، هي مجرد قنابل دخان للتغطية علي نيته في التصعيد والتأزيم، ووضع المزيد من العراقيل في طريق الانتخابات، فقد صرح قبل أسابيع أنه لن يعتمد الميزانية مالم يخصص منها مبلغ محترم لحفتر.
ومع عدم استجابة الحكومة وتعهدها بالالتزام بجانب المرتبات فقط، سلك صالح طريق آخر مطالبا بتسمية وزيرا للدفاع، لكي ينتزعها من الدبيبة، ويدفع لها شخصية مقربة من حفتر تتيح له استخدام مخصصات الوزارة في تسديد ديونه، وربما التحضير لهزيمة جديدة.
تعطيل البرلمان للميزانية، وعدم اعتماد حزمة قوانين الاستفتاء على الدستور والانتخابات، ورفض الإلتزام بالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة كما ينص الاتفاق السياسي، ونبرة التحدي في الخطاب الأخير للدبيبة مع اصراره على عدم التجاوب مع دعوات المساءلة، مع تراجع ملحوظ في الزخم الدولي الذي صاحب اختيار السلطة الجديدة، سوف يلقى المزيد من الغموض حول مصير الانتخابات، ومن ثم إذا أصر صالح علي المضي في طريق التصعيد، فحتى إذا أخفق في حشد الأصوات اللازمة في البرلمان لسحب الثقة من الحكومة، سيعلن عن تشكيل حكومة موازية في الشرق، لأن حكومة الدبيبة أصبحت حكومة طرابلس على حد وصفه.
(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)