جواز سفر عمر المختار

جواز سفر عمر المختار

سبتمبر 16, 2021 - 16:59

الكاتب الصحفي/ عبد الرزاق الداهش 

عبد الرزاق الداهش

كان حلم إيطاليا أن تضع السلطة في يمين عمر المختار، وتضع المال في يساره ، مقابل أن يلقي بندقيته في أول مغارة بوادي الكوف، وينام على الجانب الذي يعجب روما ، ولكن ما فتشت عنه إيطاليا حتى في السماء السابعة، لم تجده على الارض الليبية. 

كان كثيرون جدًّا من يهمّهم أن يعيشوا ولو على حساب الوطن، ولكن عمر المختار كان يهمّه فقط أن يعيش الوطن ولو على حسابه ، فلم يختر هذا الرجل الاستثنائي أن يكون حاكمًا، ولم يختر أن يكون مالكًا، ولم يختر الحصول على مرتب تقاعدي مريح من خزينة إيطاليا.

عمر المختار اختار فقط أن يكون عمر المختار.

لهذا ذهبوا جميعًا، واحترقوا جميعًا وذابوا جميعًا في مستودع الماضي، وظل عمر المختار، وَشْمًا على ذاكرة عصيّة على النسيان فمن تستدعي ذاكرته اليوم اسم العسكري الإيطالي الذي وضع الحديد في يد عمر المختار، أو ملامح القاضي الذي أصدر حكم الإعدام؟

لقد ماتوا جميعًا آلاف الموتات، وسقطوا جميع آلاف السقطات، وظل عمر المختار حيًّا. 

لم يكن يحمل جواز سفر إيطالي، ولا أمريكي، فكل قلوب الناس هي جنسيته، فهو السفير الدائم لضمير وطني قدم له حياة اعتماده ذات مشنقة.

كانوا يتصورون أنهم يحاكموه، ولا يدرون بأنه هو من كان يحاكمهم وكانوا يتخيلون أنهم يقتلونه، ولا يدرون بأنه هو من كان يقتلهم. 

رجل أعتز بوطنه كثيرًا لدرجة الموت، فأعتز به الوطن كثيرًا لدرجة الحياة.

فكم من الأموات أحياء، وكم من الأحياء أموات؟

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)