مرحلة مابعد حفتر

مرحلة مابعد حفتر

أكتوبر 18, 2021 - 13:19

بقلم الكاتب الصحفي/ عبد الله الكبير 

عبد الله الكبير

أضحى الأفق مسدودا أمام خليفة حفتر، وبات مستقبله السياسي رهن تطورات الموقف الأمريكي من الأزمة الليبية وعموم المنطقة، وقياسا علي تجارب سابقة فإن مصيره وكذلك مصير سلالته وشركاؤه يكاد يتضح رويدا رويدا.

 فقانون استقرار ليبيا الذي صادق عليه مجلس النواب الأمريكي، وينتظر موافقة مجلس الشيوخ، سوف يكون سيفا مسلطا على الكثير من الشخصيات المتصدرة للمشهد وفي مقدمتهم حفتر. ولأن أولاده كانوا في صلب مشروعه الدموي بعد أن منحهم الرتب العسكرية، وقلدهم أرفع المناصب في مليشياته، فلن يختلف مصيرهم عن مصير من سبقهم في الإجرام من أبناء زعماء القتل، وصدام حسين والقذافي ليسوا آخرهم.

 ثمة اصرار أمريكي على انجاز الانتخابات الليبية في موعدها، وإزاء هذا التباطؤ في اتخاذ الخطوات اللازمة المؤدية لها، تفعل أمريكا والدول الغربية ترسانتها الدبلوماسية بالتوازي مع التلويح بالعقوبات، التي ربما تعطل بالفيتو الروسي والموقف الصيني المساند إذا جرى بحثها في مجلس الأمن، لذلك تم استحداث قانون خاص بالحالة الليبية يعطي للمؤسسات الأمريكية بكل مستوياتها المساحة المطلوبة للتحرك، والتصدي للتوغل الروسي في ليبيا ومنطقة الساحل، وهو ما يهدد مصالحها ومصالح حلفاؤها، ويربك حسابات صراعها المقبل مع الصين.

 قبل أسابيع قليلة من تصويت النواب في الكونغرس علي القانون، أبرم وكلاء عن حفتر عقدا مع مجموعتي ضغط للترويج لحفتر في الدوائر السياسية الأمريكية، وترتيب لقاءات له مع مسؤولين في البيت الأبيض، بغرض الدعاية واظهار الدعم الأمريكي له في الانتخابات الرئاسية الليبية، ولكن العقد فسخ بعد التصويت علي القانون، فمجموعات الضغط وشركات العلاقات العامة لن تجد مسؤولا سيقبل بمقابلة حفتر الذي تبدو بعض فصول القانون وكأنها مفصلة على مقاسه تماما. 

 المحاكمة التي يحاكم أمامها حفتر غيابيا الآن في ولاية فرجينيا بأمريكا في عدة قضايا، ستكون مجرد مقدمة لقضايا أخرى سترفع ضده بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، خلال السنوات التي أشعل فيها الحروب في ليبيا بذريعة محاربة الإرهاب. وبلغت ذروتها في الهجوم علي طرابلس في أبريل 2019، قبل دحر قواته ومرتزقته وفرارها تجر أذيال الهزيمة بعد أكثر من سنة مخلفة، وراءها الخراب والألغام والمقابر الجماعية. 

 لم يقدم فريق دفاعه أي مرافعات لدحض التهم الموجهة له، لأنه لايملك أي حجج مضادة تصمد أمام قوة الأدلة التي قدمها محامي الضحايا، مكتفيا بمحاولة تحصينه من المحاكمة بمزاعم تحمله مسؤوليات رئاسية، وادعاء أن القوانين الليبية تعاقب بالاعدام من يقدم معلومات تنطوي علي أسرار تخص الدولة الليبية، وقد رفضت المحكمة هذه الحصانة المزعومة، وامهلت حفتر أسبوعين للمثول أمامها والخضوع للاستجواب قبل صدور الحكم.

 تشير بعض الأنباء إلى عرض قدمته بعض القوي الكبري بتوفير خروج آمن لحفتر، والاستقرار في الإمارات، والكف عن عرقلة مسار التحول في ليبيا، وأجزم أن العرض صحيح أو علي الأقل طرحه كخيار مع جملة خيارات أخرى تدرسها أمريكا مع حلفائها، لإنجاح التسوية السياسية في ليبيا، ولكن لابد من أولا تثبيت الاوضاع في مناطق نفوذه ومنع انتشار الفوضى.

وإذا صح هذا النبأ أو أصبح أفضل الخيارات. هل سيقبل حفتر ويذهب طائعا للمنفى الآمن، متخليا عن الحلم الذي يداعب خياله منذ عقود في حكم ليبيا علي طريقة القذافي؟ 

 بالنظر إلى حجم الجرائم التي ارتكبتها قواته وتوثيقها في عدة تقارير دولية، وتوفر شروط رفع القضايا ضده في المحاكم الليبية والدولية، فالمرجح هو عدم قبوله للعرض الذي لن يوفر له الحماية من الملاحقة ماتبقى له من عمر، وثمة سابقة دشنت امكانية ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب ومنتهكي حقوق الانسان، فقد ظل طاغية تشيلي السابق بينوتشه محصنا من القضاء حتى بعد مغادرته السلطة، ولكن فور سفره خارج تشيلي بدأ القضاء الدولي في ملاحقته لمحاكمته على الجرائم والانتهاكات زمن حكمه لتشيلي. وتم حجزه رهن الإقامة الجبرية لعام ونصف في لندن، ولم يقف مرضه أو تقدمه في السن حائلا دون ملاحقته، غير أن عدم قدرته على المثول أمام المحكمة بسبب مرضه الشديد دفعت القضاء الاسباني إلى التوقف عن ملاحقته، وسمحت له بريطانيا بالعودة إلى تشيلي ليكمل أيامه معزولا في إحدى قراها النائية.

 والمعروف أن بينوتشه انقلب على الرئيس التشيلي المنتخب سلفادور الليندي في سبعينات القرن الماضي بدعم من المخابرات الامريكية، وكان من عملائها البارزين في أمريكا اللاتينية لمواجهة المد الشيوعي، ثم تخلت عنه بعد انتهاء صلاحيته، كما تفعل عادة مع عملائها حين تنتهي صلاحيتهم، ويبدو أن صلاحية حفتر للمصالح الأمريكية شارفت علي النهاية، وما صدور قانون استقرار ليبيا، وفسخ عقود الترويج له أمريكيا ليظفر برئاسة ليبيا في الانتخابات المقبلة، وتواتر الحديث عن الخروج الآمن إلا مؤشرات قوية على اقتراب مرحلة مابعد حفتر، التي قد تتأخر إذا اختار التصعيد وعدم الاستسلام لمصيره الحتمي، فهل ماتزال لديه بعض الأوراق لمواصلة اللعب وقد نفد رصيده الشعبي أو يكاد؟

 

 (المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)