مؤتمر آخر مشبوه
بقلم الكاتب| عبد الله الكبير
أعلنت فرنسا في سبتمبر الماضي أنها ستعقد مؤتمرا دوليا حول ليبيا في 12 نوفمبر المقبل بباريس، صدر الإعلان على لسان وزير الخارجية لودريان عقب اجتماع ناقش الأزمة الليبية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
المؤتمر سينعقد بعد أسابيع قليلة من مؤتمر استقرار ليبيا الذي نظمته حكومة الوحدة الوطنية وحقق نجاحا منقطع النظير علي مستوى الإعداد والتنظيم والحضور، واستعادت الدولة الليبية من خلاله زمام المبادرة، وقطعت خطوة متقدمة على طريق استعادة السيادة، وأظهر حالة التعافي في العاصمة الليبية بعد دحرها للغزاة، وكشف عن بطلان الصورة النمطية التي سعى الإعلام المضلل إلى تكريسها عن طرابلس عبر سردية الإرهاب والمليشيات والفوضى الامنية.
ما أهداف الحكومة الفرنسية من هذا المؤتمر المشبوه؟
لم ترحب إيطاليا والمانيا بالمؤتمر لأنه ليس ثمة ضرورة له، فمؤتمر برلين الثاني وضع الأسس والمبادئ لحل الأزمة بالسبل الدبلوماسية، وتولت بعثة الأمم المتحدة الإشراف علي خارطة طريق الحل السياسي، وكانت أولى الخطوات اختيار سلطة توافقية جديدة تحضر للانتخابات. وجاء مؤتمر طرابلس ليؤكد علي مخرجات برلين وقرارات مجلس الأمن، داعيا كافة الأطراف الدولية والاقليمية إلى احترام السيادة الليبية، ودعم المفوضية العليا للانتخابات.
استضافت باريس خلال السنوات الماضية أكثر من مؤتمر حول الأزمة الليبية، فشلت كلها ولم تحقق أي نتيجة تذكر، لأنها لم تكن مؤهلة أصلا لأي نوع من الوساطة، أو تسهيل سبل التقارب بين أطراف النزاع، بسبب تحيزها لطرف في الصراع، وتدخلها العسكري والسياسي والمخابراتي المباشر لدعمه، إذ لعبت دورا متقدما في كل حروب حفتر، واحبطت كل المساعي في الاتحاد الأوربي ومجلس الأمن لإدانة هجوم حفتر على طرابلس، ومن ثم فهي من عوامل التأزيم لا الحل.
فرنسا تجد نفسها اليوم في صف متأخر على جهة الدول الفاعلة في ليبيا، بعد التدخل العسكري لروسيا وتركيا علي جانبي الصراع، فضلا عن زيادة جرعة الانخراط الأمريكي في الأزمة لمحاصرة التوغل الروسي ومنعه من التمدد في المنطقة. ولايبدو أنها حورت ولو قليلا من رؤيتها وموقفها من الصراع، الذي ربما يزداد حقدا علي ليبيا والليبيين بعد استدعاء الحليف التركي لمساندة حكومة الوفاق في صد هجوم مرتزقة حفتر.
ينعقد المؤتمر قبل اسابيع قليلة من موعد الاستحقاق الانتخابي في 24 ديسمبر، وسوف يأخذ هذا الحدث حيزا لابأس به من الجدال في المؤتمر، وقد رحب لودريان في كلمته بمؤتمر طرابلس بقوانين الانتخابات التي أصدرها عقيلة، رغم مخالفتها للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي وخارطة الطريق، ورفضها من أغلب الأطراف السياسية، وسوف تستغل المناسبة لحشد المزيد من الدعم لإجراء الانتخابات بهذه القوانين المفصلة علي مقاس حلفائها لتستخدمهم، إذا سارت الأمور وفقا لهذا المسار وفاز أحد حلفائها، في محاصرة الوجود التركي واستعادة دورها في الأزمة لتضمن مصالحها وتنفذ اجنداتها.
ومن المؤكد أنها ستطرح كذلك خطتها لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، والتي عرضها الرئيس الفرنسي علي الرئيس الأمريكي في قمة دولية سابقة ولكنه لم يتحمس لها ورفضتها تركيا، وهذا هو الهدف الأول والعاجل لهذا المؤتمر المشبوه، فالتدخل التركي أحبط المخططات الفرنسية ليس في ليبيا وحسب، وإنما في المنطقة كلها، وهو صراع قديم يتجدد في ظروف مختلفة قليلا، إذ اشتد التنافس وزادت حدة الصراع الدبلوماسي والمخابراتي بين تركيا وفرنسا منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى نهاية العقد الأول من القرن العشرين، ونظرا لما للموضوع من أهمية سنعرض جانبا من هذا الصراع في مقالات قادمة.
(المقالات المنشورة في الموقع لا تُعبّر بالضرورة عن رأي الموقع، بل عن رأي كاتبها)