عودة أشباح الماضي من بوابة الانتخابات

عودة أشباح الماضي من بوابة الانتخابات

نوفمبر 18, 2021 - 20:39

عبد الله الكبير | كاتب صحفي

 تتعاقب فصول حمى انتخابات ديسمبر بترشح خليفة حفتر بكل سجله الإجرامي، وسيف القذافي المطلوب للقضاء المحلي والدولي، لمنصب الرئاسة في ليبيا، ثم حلت ثالثة الاثافي بترشح عقيلة صالح رئيس البرلمان، وهو من منح حفتر الرتب والألقاب والشرعية ليرتكب جرائمه المروعة، قبل أن يعتمد الشعب الدستور ويقرر نوع الدولة التي يفضلها، وطبيعة نظام سلطاتها. هل هي جمهورية رئاسية أم برلمانية أم ستعود ملكية؟ وهل ستعتمد النظام الفيدرالي أم ستبقى مركزية؟ وأين تنتهي صلاحيات الرئيس وتبدأ سلطات البرلمان والحكومة؟ فلا أسس دستورية للسلطة المزمع تشكيلها بالانتخابات. مايؤكد أن الانتخابات، وخاصة الرئاسية لم تعد شأنا ليبيا خالصا، وإنما هدف دولي يحقق مصالح عدة دول تتقاطع وتتضارب مصالحها في ليبيا. 

 لم يجد سيف مانعا قانونيا يحول دون ترشحه للانتخابات الرئاسية، وفقا للقانون الذي سنه عقيلة صالح بشروط مفصلة على مقاسه ومقاس حفتر، بحيث مع ترك باب عودتهما إلى مواقعهما السابقة مفتوحا في حالة الفشل، ويقصي مرشحا قويا تتضاءل فرصهما في الفوز بوجوده وهو رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة. عمدا لم يضع عقيلة بندا في شروط الترشح يمنع المطلوب للقضاء من الترشح، لأن حفتر مطلوب للقضاء بمذكرة قبض أصدرها النائب العام بعد انقلابه المتلفز في فبراير 2014. ولكن الأمور تمضي أحيانا في مسارات غير متوقعة، ولم يخطط لها أو تؤخذ في الحسبان. فالمرشحون سيعرضون على كافة التشريعات الليبية ذات العلاقة بممارسة الحقوق المدنية، وليس فقط على شروط قانون عقيلة للانتخابات الرئاسية. ومن ثم يتسع نطاق الشروط ويمتد ليطال حقولا سعى عقيلة ورهطه من النواب لتفاديها، حتى تتقلص فرص المنافسين أو يتم اقصاؤهم، وتأتي الرئاسة طائعة له أو لحليفه اللدود حفتر.

 حمي الانتخابات والجدل حول كافة تفاصيلها سوف يمضي في منحنى تصاعدي كلما اقتربنا من موعدها، من دون يقين تام بأن المسار يمضي بالفعل نحو تنفيذها، فدائرة الاعتراضات حول قوانينها تتسع، ورفض ترشح حفتر وسيف القذافي موقف ثابت في غرب البلاد، إلى حد التهديد بقفل المراكز الانتخابية، ولا ضمانات على قدرة وزارة الداخلية علي تنفيذ خطتها لتأمين كافة مراكز الاقتراع، في ظل سيطرة منظومة حفتر الأمنية على شرق البلاد، ومن ثم فكل الاحتمالات، بما فيها التأجيل، واردة رغم الاصرار الدولي على تنفيذها، من دون تجاهل مخاطر هذا التأجيل الذي تسعى له بعض الأطراف المحلية والاقليمية على حالة الاستقرار الهش حاليا. 

 وبصرف النظر عن التطورات السياسية المرتقبة في خضم هذا التحول في السلطة، والتغيرات المتوقعة وغير المتوقعة في خارطة التحالفات بين أعداء وأصدقاء الأمس، فإن عودة أشباح الماضي لا تشير مطلقا إلى انتكاسة الثورة أو تراجعها، وأن التغيير قاب قوسين أو أدنى من اجهاضه، وعودة النظام القديم بقواعده وأركانه وتحالفاته عبر الوريث الطبيعي سيف القذافي أو الهجين حفتر. فهذه اللحظة لا تختلف عما سبقها من صراع بين قوى الثورة والتغيير والقوى المضادة لها، وإنما هي الامتداد الطبيعي لها. فهذا هو جوهر الصراع، مهما اختلفت الأقنعة التي أخفى بقايا النظام السابق وحفتر وجهيهما خلفها، للقفز على السلطة واستئناف الحكم بأدوات وقواعد الدكتاتورية. 

 إن أبلغ وصف لهذه اللحظة التي يعود فيها النظام المنهار عبر شبح القذافي، ساعيا إلى استعادة سلطته، هي مقولة الفيلسوف الإيطالي غرامشي. " قديم يحتضر وجديد يولد" ولا شك أن الاحتضار سيطول وسوف تتعسر الولادة. ولكن موت القديم آت لامحالة، ولابد للجديد أن يولد بعد كل هذا المخاض والألم والدماء. فلحظة التغيير بزغت قبل عقد من الزمان، والنضال ماض نحو تأكيده وتكريسه رغم كل المعوقات والعراقيل والتآمر، فلن تعود الشعوب بعد تنشق هواء الحرية إلى عفونة الطغيان، والدليل الساطع هو عدم استسلام الشعوب العربية في سوريا وتونس والسودان، واستمرار نضالها بكافة الوسائل حتى تجبر بقايا منظومات الماضي المظلم على الخضوع والاستسلام لإرادة الشعوب في تشوفها للمستقبل، ولن يكون الشعب الليبي استثناء، بل ربما هو الأقرب لإنجاز التغيير المنشود وتنفيذ أرادته في التحرر وتأسيس الدولة التي ناضلت من أجلها الأجيال منذ مايزيد عن نصف قرن. 

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)