تطورات وتحالفات مثيرة بعد إجهاض الانتخابات

تطورات وتحالفات مثيرة بعد إجهاض الانتخابات

ديسمبر 24, 2021 - 15:54

عبد الله الكبير |  كاتب صحفي

تجاهل المتحمسون للانتخابات الخلل الخطير في مسارها منذ بدايته. كابروا وعاندوا وصموا آذانهم عن كل التحذيرات، وغفلوا عن النصح بتدارك القوانين وتصحيح عيوبها، وعدم الميل عن خارطة الطريق لأنها تسوية متوازنة وسطية، راعت مصالح كل الأطراف وعالجت مخاوفهم. لذلك حلت النتيجة المتوقعة. فالانهيار هو محصلة عوامل عدة أولها اعوجاج أسس البنيان، فكيف يستقيم الظل والعود أعوج؟


 ولما بات التأجيل حتميا روج لمفردة الازاحة تخفيفا لوطأة خيبة الأمل والصدمة التي ستقع بكلمة التأجيل. لم يتقدم أي طرف لتحمل المسؤولية وإعلان الفشل حتي بصيغته المخففة، وتحول إعلان التأجيل بشكل رسمي إلى كرة لهب يتقاذفها أعضاء مجلس النواب ومفوضية الانتخابات، كل يطالب الآخر بتحمل المسؤولية. 


والحاصل من هذا العبث والهدر المتوقع، هو نجاح المغتصبين للسلطة في إجهاض حلم التغيير بانتخابات تزيح المؤسسات والشخصيات المسيطرة عليها، وتؤسس لمرحلة جديدة تتوحد فيها السلطة التشريعية، وتنهض بالمسؤوليات التي اخفقت الكيانات الحالية في إنجازها.


 ثمة تطورات لافتة وقعت فور التأكد من فشل خطة الانتخابات. الأول هو انفتاح معسكر الشرق على تركيا، وزيارة وفد من مجلس النواب بينهم مجموعة من مؤيدي حفتر إلى أنقرة، وهو تغير فرضته التحولات الإقليمية الأخيرة، بانتهاء قطيعة دول الخليج لقطر وفتح قنوات التواصل مع تركيا. ومن المعروف أن انخراط بعض الأطراف المحلية في صراعات الأحلاف والمحاور، لابد أن يلقي بظلاله على حالة التأزيم ويزيدها تعقيدا. كما تفرض بالضرورة علي الطرف المحلي، باعتباره الأضعف، أن يمضي في مسار الأطراف القوية مثل آخر عربة في القطار. ومن ثم كان لزاما على معسكر عقيلة وحفتر فتح قنوات تواصل مع الحكومة التركية، خاصة بعد تراجع أهمية حفتر لدى روسيا التي بات سيف القذافي رهانها الأول في ليبيا، وسيعزز هذا التطور من فاعلية تركيا في المشهد السياسي الليبي. 


 التطور الثاني هو لقاء حفتر مع باشاغا في بنغازي مع عدد من الشخصيات تحت لافتة لقاء بين مترشحين للرئاسة، والأصل في هذه اللقاءات هو المواجهة والمناظرة أمام جمهور الناخبين، وسعي كل مرشح لاقناعهم برؤيته. لذلك فهذا اللقاء هو أقرب لتكوين تحالف جديد بين أعداء الأمس، لمواجهة التحديات الطارئة، المنذرة باحداث انقلاب حاد في المشهد السياسي. تكلفة المراهنات والمغامرات في الصراعات الداخلية باهضة. فمثلما جازف حفتر بهجومه على طرابلس، وخسر الكثير من رصيده الشعبي في الشرق عقب هزيمته. يجازف باشاغا بتحالفه مع حفتر بماتبقى له من رصيد نضالي، راكمه بمواقف سابقة في عملية فجر ليبيا وبركان الغضب، في مصراتة والمنطقة الغربية بشكل عام، إذ يستحيل قبول حفتر في الغرب الليبي بعد كل الجرائم التي اقترفتها مليشياته، خاصة في حربه الأخيرة على طرابلس. التحالف الجديد بين حفتر وباشاغا ومعيتيق وبقية الشخصيات فرضته التحولات الجارية الطارئة في الخارطة السياسية الليبية، باقتحام سيف الإسلام القذافي المشهد السياسي، بدعم روسي وقاعدة شعبية في الجنوب، وارتفاع أسهم رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، ونيله تأييدا شعبيا واسعا لم تحققه أي شخصية سياسية خلال السنوات القليلة الماضية. ومن دواعي هذا التحالف التخطيط لتوجيه دفة المرحلة السياسية بعد 24 ديسمبر وتغيير الحكومة، فأغلب الشخصيات في هذا التحالف متلهفة بشكل غير عادي للسلطة.

 
 تشير استطلاعات الرأي حول فرص المترشحين للانتخابات الرئاسية إلى تفوق الدبيبة والقذافي علي بقية المرشحين بفارق كبير، وتعذر ابعادهما من السباق الرئاسي بالطعون القضائية، بعد أن حكمت محاكم الإستئناف لصالحهما وأعادتهم للسباق الرئاسي. وكان هذا المأزق الأول للخطة الأمريكية، الرامية لمحاصرة النفوذ الروسي في ليبيا، لأن سيف القذافي هو مرشح روسيا في الانتخابات. وهذا هو السبب الرئيس في عودة ستيفاني وليامز كمستشارة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ويبدو من خلال التصريحات الصادرة عن أنقرة أن الدبيبة هو مرشحهم المفضل للانتخابات، وبالنظر إلى قوة الأوراق التي تمتلكها تركيا في ليبيا، سيكون من الصعب تغيير الحكومة الحالية من دون إجراء الانتخابات. 


 إزاء هذه التحولات المهددة بسقوط الشخصيات المهيمنة على المشهد منذ سنوات، هرع أعداء الأمس لبعضها لعقد تحالف مفاجئ وصادم للكثيرين، تحت شعار المصالحة الوطنية. وذلك لتقوية حضورهم بالمساندة المتبادلة، وتفعيل كل الخيارات المتاحة لاستعادة توازن مفقود مع اللاعبين الجدد والسيطرة على المشهد.


 كل المؤشرات تنذر باستمرار حالة التأزم، وسيكون ملف تغيير الحكومة هو أهم محاور الصراع في الأيام المقبلة، مع محور آخر لا يقل أهمية هو مسعى عقيلة صالح وحلفاؤه التحكم في مسار العملية السياسية عبر مجلس النواب، باحباط محاولات ستيفاني وليامز تفعيل ملتقى الحوار السياسي من جديد، فعقيلة كان هو الحاضر الغائب في لقاء بنغازي، فبدونه لا يمكن للتحالف الجديد أن يجد طرفا في مقود العملية السياسية.

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)