المسار الدستوري.. كلمة حق لا يراد بها الدستور

المسار الدستوري.. كلمة حق لا يراد بها الدستور

يناير 25, 2022 - 15:48

الكاتب الصحفي عبدالله الكبير 

عاد الجميع تقريبا للتذكير والتأكيد على أهمية انجاز الدستور قبل الذهاب لأي عملية انتخابية. فرغم إكمال الهيأة التأسيسية لمشروع الدستور في يوليو2017 بإجراءات قانونية سليمة، بالتصويت علي النسخة النهائية وحصولها على موافقة أغلبية اعضاء الهيأة، إلا أن مجلس النواب تجاهل المشروع، وبقيت المسودة حبيسة ادراج مكتب رئيسه تنتظر قانون الاستفتاء.

وبعد أكثر من أربع سنوات على اصدارها، أعلن رئيس مجلس النواب في بيانه خلال جلسة مجلس النواب الأسبوع الماضي أنها مرفوضة من الليبيين، من دون أن يستفتى الشعب عليها لنعرف أنها حقا مرفوضة!

 وحتى إذا نفذ الاستفتاء ولم تحصل المسودة على موافقة غالبية الثلثين، المسار الدستوري يحدد الخطوات التالية بعد الاستفتاء، بإعادتها للهيأة التأسيسية لتجري التعديلات اللازمة للمواد المعترض عليها، ثم تطرح للاستفتاء مرة أخرى. وهي خطوات من شأنها دفع الناس إلى المشاركة في حوار مجتمعي واسع حول الدستور وزيادة الوعي به قبل إكمال عملية اعتماده.

 الجدل حول مشروع الدستور المنجز من الهيأة، بل والمسار الدستوري برمته من شأنه وضع المزيد من العراقيل في طريق الانتخابات، فضلا عن استعادته لخلاف قديم واكب صدور المسودة النهائية للمشروع نهاية عام 2017. وإمعانا في المزيد من التأزيم، قرر رئيس مجلس النواب تشكيل لجنة تعد مشروع الدستور، ثم تتولى مفوضية الانتخابات عرضه للاستفتاء. بركلة واحدة أطاح بهيأة منتخبة لإنجاز مشروع الدستور، وبما توصلت له لجنة شكلها بنفسه لرسم خارطة الطريق، وبتفاهماته مع رئيس المجلس الأعلى للدولة في اللقاء الأخير بالمغرب. 

 الإطاحة بالحكومة ثأرا وانتقاما لخسارته في انتخابات جنيف، هو الهدف الذي لن يحيد عنه عقيلة صالح، أما سبيل الخروج من هذا الدرك باستعادة المسار الديمقراطي، ومنح الفرصة للشعب ليتعلم من اخطائه عبر انتخابات جديدة تجدد الشرعية، وتتشكل منها حكومة قوية تعالج كوارث مرحلة الانقسام، فهو يعمل على تجنبه بكل ما أوتي من دهاء ومكر، ولا يهمه الثمن الذي سيدفعه الشعب من حاضره ومستقبله. من دون تجاهل الأطراف الأخرى المتماهية مع خطواته، لأنها تشاطره الرغبة في التمديد والبقاء في السلطة حتى لو كانت على أشلاء وطن تحطم أو يكاد. 

 لايسع المراقب والمتابع للتطورات السياسية الليبية إلا الذهول من فصول العبث المتتالية، ولن يحتاج لارهاق تفكيره في جدلية السبل والغايات، فمايجري هو محاولة أخرى لنسف الانتخابات، لتستمر الكيانات الهزيلة والشخصيات الفاشلة في التحكم في قرارات البلاد ومقدراتها.

 الصدام بين موقف غربي يصر على الانتخابات لإنجاز تغيير يتقاطع مع أهدافه، وبين سلطات تآكلت شرعيتها ونخر الفساد جنباتها، ولكنها تأبى الرحيل، هو ما ذكرناه في المقال السابق، فبالتزامن مع جلسة مجلس النواب في طبرق، عقد مجلس الأمن جلسة حول ليبيا برز خلالها موقف واضح عبر عنه مندبو الدول الكبرى، يدعو إلى ضرورة المحافظة علي زخم الانتخابات وسرعة تنفيذها، وعدم اعترافهم بأي حكومة لا تنتجها عملية انتخابية. فهل وصلت الرسالة الدولية للأطراف التي تعقد الصفقات في الكواليس، من أجل الوصول للسلطة علي حد تعبير المندوب الأمريكي، أم أن قصر نظرهم، وضحالة قدراتهم السياسية، ستدفعهم إلى المضي خلف سراب السلطة والزعامة، حتى لو أدى ذلك إلى دفع البلاد إلى المزيد من الانقسام والفوضى؟

 (المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)