الدور المحتمل للمجلس الرئاسي

الدور المحتمل للمجلس الرئاسي

مارس 14, 2022 - 12:19

الكاتب| عبدالله الكبير

عبدالله الكبير

  لا يمل الطرف المسيطر على البرلمان، من تكرار المحاولات لفرض ارادته على بقية الأطراف، للقبض على مراكز السلطة، والهيمنة على القرار السياسي والأمني والمالي، فبعد الفشل العسكري لهجوم حفتر قبل عامين، واندحاره يجر أذيال الهزيمة، أخفقت قائمة عقيلة وباشاغا في الظفر بالسلطة عبر حوار تونس جنيف، إذ فازت قائمة المنفي والدبيبة خلافا لكل التوقعات والترتيبات، من تلك اللحظة والنية مبيتة لدى عقيلة في مناكفة حكومة الوحدة الوطنية، مستغلا موقعه كرئيس للبرلمان، فلم يوافق لها علي الميزانية، وسحب منها الثقة في جلسة لم تتوفر لها الشروط القانونية، وتواصل فشل معسكر عقيلة مع الانتخابات، التي صممت قوانينها لتزيد من فرصة حفتر في الفوز، لكن ترشح الدبيبة وسيف القذافي، وحظوظهما الكبيرة في الفوز، وفقا لاستطلاعات رأي موثوقة، أفسد الطبخة. 

 اختلطت أوراق اللعبة السياسية بعد فشل الانتخابات، وباتت خارطة التحالفات بعد لقاء حفتر مع باشاغا أكثر وضوحا، وشرع عقيلة صالح في نسج محاولة أخرى للتمديد لبرلمانه، وإزاحةحكومة الدبيبة، بتكليف باشاغا بتشكيل حكومة جديدة، و لكن هذه الخطوة لم تنل القبول دوليا، وتشكلت جبهة عريضة في غرب البلاد، ضمت مكونات سياسية وعسكرية واجتماعية رافضة لها، متمسكة بالذهاب إلى الانتخابات. 

 وبصرامة، واجهت حكومة الوحدة الوطنية مسنودة بهذه الجبهة، محاولة باشاغا النزول في طرابلس لفرض نفسه كأمر واقع، قد يدفع الدول الغربية لتغيير مواقفها والاعتراف به، ولم تفلح محاولته اقتحام العاصمة بالقوة المسلحة، بعد تراجع قواته المحدودة عبر حوار وطني مسؤول بين قادة عسكريين من الجانبين.

 بموازاة هذه المحاولة، سعت القوى الدولية والأمم المتحدة إلى وقف التصعيد، وعدم اللجوء للعنف لحل أي خلاف، ولاشك أن الدفع بكتائب مسلحة نحو العاصمة لطرد حكومة الوحدة الوطنية، تنفيذا لقرار مثير للجدل من البرلمان، لم ينل موافقة مجلس الدولة، ورفضته غالبية القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية، سيقلل من فرص باشاغا في نيل أي دعم دولي، خاصة وأن الدول الكبرى وحدت موقفها في بيان مشترك يدعو إلى عدم اللجوء للعنف، وهددت بتفعيل العقوبات،

اعتمد تحالف عقيلة حفتر باشاغا على ممارسة القدر الأكبر من الضغط النفسي على الحكومة، والقوى المتحالفة معها عبر الضخ الاعلامي المتنوع، الذي تجاوز حدود المبالغة إلى التضليل، والتزوير وترويج الشائعات والاكاذيب، وبدا واضحا أن هذا هو سلاحهم الأساسي في المواجهة، فلا موقف دولي واضح يدعمهم، ولا قوة مسلحة يمكن التعويل عليها للحسم على الارض. ومع حركة الزمن لن يكون للترويج الإعلامي أي جدوى، خاصة مع فقدان الثقة لدى المتابعين في منابر استخفت بوعيهم وسعت لتضليلهم، وخلال أسابيع قليلة يحل شهر رمضان، ويتغير سلم اهتمامات الناس، بداية من الاستعداد لاستقباله بالسعي لتوفير مستلزمات موائده، والانصراف إلى العبادات، ومتابعة الجديد في الدراما التلفزيونية والبرامج الترفيهية، ويتراجع الاهتمام بالتطورات السياسية عبر الاعلام، ومن ثم لن يكون ثمة جدوى لتسويق أي تحركات أو مواقف سياسية، تبقي أخبار حكومة باشاغا في صدارة الأحداث، ولعل إدراك باشاغا لحالة الانهيار الوشيك لمشروعه، كانت الدافع للقاء السفير الأمريكي في تونس، وطلب وساطته للتفاوض المباشر مع الدبيبة. 

 كل التصريحات الأخيرة للمستشارة الأممية وليامز، والسفير الأمريكي نورلاند، وكافة سفراء الدول الكبرى، تؤكد على الانتخابات كمخرج وحيد من الأزمة، لذلك بادرت وليامز إلى طلب تشكيل لجنة من مجلسي النواب والدولة، تعد قاعدة دستورية مقبولة، فإذا أخفقت اللجنة في التوافق، ستلجأ وليامز إلى دفع المجلس الرئاسي لتشكيل لجنة من السياسيين والخبراء القانونيين، تتولى مهمة وضع القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات، ولكن هذه المبادرة التي تتجاوز مجلسي النواب والدولة، لن يكتب لها النجاح من دون ضغط دولي، إلى جانب الضغط المحلي الذي تمارسه الساحات والميادين حاليا، فإذا ظفرت وليامز بالدعم الدولي، ستكون بحاجة إلى سند قانوني لا يستطيع المجلس الرئاسي وحده توفيره، وهنا سيكون للمجلس الأعلى للقضاء دور في المرحلة السياسية المقبلة. 

 في كل الأحوال تملك المستشارة الأممية المقدرة الدبلوماسية، والانفتاح على كل الأطراف، لطرح مبادرات معالجة الانسداد السياسي، وبالمقابل مايزال لدى معسكر عقيلة وحلفائه الرغبة في إحباط أي مسعى للتغيير، وتجميد الأوضاع، حتى تسنح فرصة أخرى لمحاولة جديدة لفرض رؤيتهم، والتمكين لمشروعهم للاستحواذ على مفاصل السلطة.

 

(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)