نحو موجة ثورية جديدة

نحو موجة ثورية جديدة

مارس 29, 2022 - 16:38

الكاتب| عبدالله الكبير

لا تحتاج الانتخابات كل هذه الحوارات وخرائط الطرق، وتمديد المرحلة الانتقالية بتشكيل حكومة موازية، تكرس حالة الانقسام، وتزيد من تعقيد المشهد، وهي إجراءات يمكن أن تؤدي إلى أي نتيجة ماعدا الانتخابات. ما يؤكد أن هدف الطبقة السياسية من كل هذه المماطلة، والتأجيل المتكرر عبر اللجان والحوارات هو إجهاض عملية التحول السياسي السلمي عبر الانتخابات، واستمرارها في ممارسة الشعوذة السياسية لتبقى في مواقعها.

 التطورات الأخيرة بعد افشال انتخابات ديسمبر تؤكد هذه الحقيقة، فلا نية لدي مجلس النواب، وصنوه مجلس الدولة في تنفيذ انتخابات تطيح بهما بعيدا عن السلطة، وماتمنحه لهم من امتيازات، ثمة استثناء بالطبع يتعلق بأعضاء في المجلسين، عبروا عن قناعتهم بضرورة الخروج من المشهد عبر الانتخابات، وإذا كان لهم بعض تأثير في قرارات مجلس الدولة، فإن هذا التأثير غير متاح في مجلس النواب، المسيطر عليه من قبل رئيسه مع مجموعة من النواب، وظهير مليشياوي ممثلا في كتائب خليفة حفتر. 

 ما العمل إذا لفرض خيار الانتخابات التي باتت أغلبية الشعب تطالب بها؟

 واقع الحال هو انفصال الطبقة السياسية المتصارعة والمتنافسة، عبر مؤسسات تآكلت شرعيتها، عن هموم ومعاناة الناس من تردي الاوضاع المعيشية في كل تفاصيلها، ومن ثم انعدمت الثقة بها من كل مكونات الشعب، كما تقول البيانات والمظاهرات المطالبة باسقاط هذه الطبقة، وانتخاب مجلس تشريعي يتولى وقف هذا الانحدار المخيف، ويعالج الازمات المتراكمة عبر خطة إنقاذ عاجلة. أما الخطر المحيط بالبلاد ومستقبلها من التوغل الخارجي، واستباحة الحدود والثروات والقرار، فثمة شكوك في قدرة المنظومة السياسية الحالية على استيعابه أو الاحساس به. إذ لم يعد الوطن بالنسبة لهم سوى بقرة حلوب، تدر عليهم الأموال ينفقونها في سفرياتهم، واقاماتهم بالخارج، وتأمين مستقبل أولادهم بالأرصدة في البنوك والعقارات في الدول القريبة.

 لم يعد الحل ممكنا عبر المنظومة السياسية الحالية، واستمرارهم سيعمق الأزمة ويزيد من استفحالها، لذلك لا مندوحة عن التغيير الشامل بإنهاء احتكار السلطة عبر انتخابات تشريعية فقط تزيح هذه الطبقة، لعل ميزان القوى بعدها يميل لمصلحة قوى التغيير في مجلس تشريعي منتخب، نؤمل أن أعضاؤه أو غالبيتهم على الأقل، لن ينظروا للسلطة من جهة امتيازاتها فحسب، بل ستكون في مقدمة أولوياتهم معالجة هذا الركام الفاسد الذي خلفته سنوات الصراع، على يد منظومة سياسية متدنية الوعي، وغير متحررة من ثقافة الفساد والغنيمة والاستبداد.

 سيقع على عاتق قوى التغيير إعادة بوصلة الثورة إلى اتجاهها الصحيح، ببعث الهوية الوطنية الجامعة والتخلص من نظام المحاصصة، ووقف التمييز بين أبناء الوطن بمعايير متخلفة، عمقت الانقسامات والكراهية، ورفعت الحواجز بين مناطق الوطن ومكوناته، واستعادة السيطرة على القرار السياسي، التائه حاليا بين العواصم والسفارات المختلفة. 

 إن فرض هذا التغيير المنشود لن يتحقق إلا عبر استمرار حراك النضال من أجله بكل السبل والوسائل السلمية، فإذا لم تستجب المنظومة المهيمنة، وواصلت المماطلة فستكون مسؤولة بشكل مباشر عن انزلاق الحراك نحو العنف. عليهم أن يتذكروا أن عدم الاستجابة لمطالب الناس تعني دفعهم للانتفاض في موجة ثورية جديدة، فقد سدت أمامهم كل سبل التغيير السلمي، فهل يدركون أن مصيرهم حينئذ لن يختلف عما سبقهم من سلطات، كانت أكثر قوة وأشد بأسا، ولكنها تجاهلت غليان الميادين، واستخفت بتطلعات الناس وأحلامهم. 

 

(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)