العهد القرمانلي على الشاشة

العهد القرمانلي على الشاشة

أبريل 06, 2022 - 23:41

عبدالله الكبير | كاتب صحفي

 يعد حكم الأسرة القرمانلية لإيالة طرابلس، هو أول سلطة محلية يتولاها أهل البلد، بعد قرون من الحكم الخارجي، في صورة استعمار مباشر أو غير مباشر، حيث تعاقب على حكم البلاد كولاية هامشية تابعة، حكام وولاة يتبعون عواصم الامبراطوريات المختلفة التي نشأت على ضفتي البحر المتوسط؛ الأغريق، قرطاجنة، روما، بيزنطة، الخلافة الإسلامية، إسبانيا، العثمانيون، وغيرها.

وعصفت بالإيالة فترة اضطراب عصيبة خلال العهد العثماني، بسبب تبدل الولاة العثمانيين، وسيطرة ضباط الانكشارية عليهم، مع إهمال واضح للإيالة من مركز الامبراطورية.

 قد يرى البعض أن أصول الأسرة القرمانلية تعود إلى الأناضول، وبالتالي فحكمها يعد امتدادا للحكم العثماني، أو حلقة وصل بين العهدين العثمانيين الأول والثاني. ولكن عدة اعتبارات تجعل من الأسرة ليبية خالصة، بالتالي فالسلطة التي أسستها لاتعد سلطة خارجية أو سلطة احتلال، فالأجيال التالية لجد الأسرة ولدت في طرابلس، وانقطعت تماما عن جذورها، ونست لغتها، وتصاهرت مع أهل البلاد، وامتزجت بالعادات والتقاليد المحلية، ولم ترتب للعودة إلى مسقط رأس الجد الأول، الذي جاء مع الجيوش العثمانية، وكانت أولى الحملات هي تلك التي طردت فرسان مالطا والحقت طرابلس بالامبراطورية العثمانية بقيادة درغوث باشا ومراد آغا. 

 استمر حكم الأسرة القرمانلية نحو قرن وربع كانت حافلة بالصراعات والأحداث، ولكن المكسب الأبرز لها هو فرض الدولة لشخصيتها وحضورها على الساحة الدولية بين الأمم العريقة، بتوطيد العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع أهم ممالك أوروبا، وازدهرت تجارة القوافل مع ممالك جنوب الصحراء، حيث كانت ولاية طرابلس هي حلقة الوصل الأهم بين أوروبا وافريقيا، وكذلك بين المشرق الإسلامي ومغربه.

 من الجميل أن تعرض مرحلة الحكم القرمانلي على شاشة التلفزيون، عبر مسلسل السرايا للمخرج أسامة رزق، لكي يتعرف الجيل الحالي والأجيال اللاحقة على حقبة مهمة في تاريخنا الوطني، تعد بمثابة مرحلة التأسيس للكيان والهوية واللهجة الليبية، فمناهج التاريخ المدرسي خلال العقود الماضية تعاملت مع التاريخ الوطني بانتقائية تلائم خيارات نظام الحكم الأيديولوجية والسياسية، والمحاولة الوحيدة لمقاربة العهد القرمانلي دراميا في مسلسل "حرب السنوات الأربع" فرضتها دوافع سياسية، زمن صراع القذافي مع أمريكا، إذ تناول المسلسل أحداث  الصدام العسكري البحري، بين أسطول يوسف باشا والأسطول الأمريكي.

 الدراما التاريخية من أهم وسائل التعريف والتثقيف بتاريخ الأوطان، لأنها تحظى بمتابعة من قطاعات واسعة من الشعب، لسهولة استيعابها ولتوفر عناصر التشويق والإثارة فيها، لذلك فهي تتفوق على كل الوسائل الأخرى مثل الكتب والمتاحف. 

الأحداث الدرامية جاهزة في بلاط القرمانلي، لن يضطر المخرج لاختراعها ولن يجد عناء في اكتشافها، فهو كأي بلاط شرقي تقليدي حافل بالمؤمرات والدسائس والخيانة. صراع ورثة العرش، تنافس رجال الدولة على رضا الباشا، كيد النساء وغيرتهن وتأثيرهن في شؤون الحكم، ففي أهم المصادر التاريخية المحلية والأوربية. يوميات حسن الفقيه، الحوليات الليبية، عشر سنوات في بلاط طرابلس لمسز توللي، وست سنوات في طرابلس للقس بيرك. صورة متكاملة للعصر القرمانلي في كل جوانبه. 

 لست بصدد نقد المسلسل بالطبع، فعرض الحلقات مازال في بدايته، ولابد من الانتظار حتى النهاية، لننظر للعمل من زاوية التاريخ، وبناء الشخصيات ومدى انسجامها مع أدوارها، وماهي الرسالة الأهم التي خبأها مخرج العمل بين طيات الأحداث والشخصيات. فالأهم الآن هو توجيه التحية لكل من ساهم في إخراج هذا العمل لإبراز تاريخنا الوطني، لتعرف الأجيال الحالية أننا لسنا طارئون علي الحضارة الإنسانية، بل تمتد جذورنا في أعماق القرون، تدفع لنا الدول الكبرى ضريبة الحماية العبور في شواطئنا، وتأخذ بعين الاعتبار أي إشارة صادرة من سرايا طرابلس، ولسنا محطة وقود حديثة استدعاها تفجر النفط في صحرائنا، فسفننا التجارية مخرت عباب الأطلسي وبحر الشمال، وملح أسباخ زوارة ومصراتة كان على موائد السويديين في القرن الثامن عشر. 

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)