أخلاقيات وسلوكيات الموظف المسلم

أخلاقيات وسلوكيات الموظف المسلم

أبريل 20, 2022 - 23:05

مقال الكاتب/ أسامة المبروك صالح

الإسلام دينٌ شاملٌ في مبادئِهِ وقيمِهِ وأنظمتِهِ وتشريعاتهِ، (عقائد، عبادات، معاملات وعقود، آداب وسلوك) هو دينٌ متوازنٌ متكاملٌ ثابتٌ على مرَّ العصور والأزمنة.

وللأخلاق الحميدة في الإسلام منزلةٌ رفيعةٌ، إذ الأخلاق ركيزةٌ أساسيةٌ في بناءِ الأممِ أفراداً ومؤسساتٍ، والإسلامُ يسعى دائماً إلى رفعة الإنسان من خلال حثِّهِ على التَّحلي بمكارمِ الأخلاقِ، إذ يقولُ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (إنَّما بُعثُّ لأُتممَ مكارمَ الأخلاقِ) فالأخلاق هي الأساس الذي يجب على الإنسان أن يجعله نصب عينيه طوال حياته، وعند تعامله مع الناس كافةً، أهلٍ أقرباءَ، أصدقاءَ، غرباءَ على حدٍّ سواءٍ، فالأخلاق هي المبادئ والقيم التي تنظّم سلوك المسلم وتعامله مع الآخرين، والتَّحلي بحسن الخلق من أساسيات كل مجتمع مستقر ومتقدم وناجح. 

والوظيفة أو المهنة وهي مجموعة من الأعمال (الواجبات والمسؤوليات والالتزامات) يقوم بها الموظف والعامل إزاء منحه مقابل ماديٍّ وحقوقٍ ومزايا، وفقاً لشروط العقد المبرم مع المؤسسة أو الشركة أو المنظمة، والإسلام يوجبُ علينا إتمام العقود وإنفاذها وفقاً للشروط المتفق عليها، وبهذا يحلُّ المقابل المادي للموظف. 

والأخلاق الوظيفية هي مجموعة من القواعد والسلوك والمبادئ والمعايير التي يجب أنْ يتصفَ (ويتحلى) بها الموظف والعامل، من أجل تحقيق منفعة دنيوية مشروعة (له أو لغيره) وهو ما اصطلح عليه بـ (أخلاقيات وسلوكيات الوظيفة).

وأخلاق الموظف المسلم هو إحساسه بأنه مكلف بأداء مهام وواجبات ومؤتمن عليها بينه وبين ربّه جلَّ في علاهُ، من غير حاجة إلى مسؤول يُذكّره بمسؤوليته؛ إذ أنَّ الوظيفة سواء كانت عامة أو خاصة قد اؤتمن عليها المسلم ووجب عليه أن يؤدّي حقَّها ويراعي واجباتها.

إنَّ أداء المهن والوظائف وتقديم الخدمات، وإيصال الحقوق إلى أهلها، والإسهام في تقدّم ورقي المؤسسات والشركات وتحقيق أهدافها، واستحضار النية في ذلك عبادةٌ وقربةٌ؛ إذ حقيقةُ المهن والوظائف هو أداء أعمالٍ تُؤدِّي في النهاية إلى إيصال الحقوق والخدمات إلى أصحابها، من خلال تنفيذ المهام الموكلة إليك في المؤسسة أو الشركة أو المنظمة.

فلهذا يجب على المسلم التقيّد بأداء المهام والواجبات، والتخلق بآداب وسلوكيات مع احتساب الأجر، الأمر الذي يتطلبُ الإتقان في أداء المهام، والمحافظة على أوقات وأسرار العمل، مع المحافظة على مقتنياته، وحسن التعامل مع الزملاء والعملاء والزوّار، والعمل على تحقيق أهداف المؤسسة والمنظمة.

فالوظيفة من هذا الجانب تكون عبادةٌ وقربةٌ يُؤجر المسلمُ عليها، مع استحضار نية التعفف، والإنفاق على الأهل والعيال، فليست العبادة مقتصرةً على تلاوة القرآن أو الاعتكاف في المساجد فحسب، بل السعي في الحصول على المال الحلال، والانفاق على العيال، وخدمة الأمة الإسلامية ومؤسساتها من خلال الوظيفية، وتقديم الخدمات اللازمة، واستحضار النية في كل هذا أثناء أداء الوظيفة يؤجرُ المسلم عليها. 

ومجمل الأخلاق المطلوبة من الموظف هي: الصدق والأمانة في التعامل مع العملاء والمراجعين، والاتقان في أداء المهام، والاحتساب أثناء البقاء فترة الدوام، وحسن التعامل واحترام الرؤساء والزملاء والمراجعين والمستفيدين، والرفق والصبر والعدل في التعامل مع العملاء، وتحمل المسؤولية والالتزام بها.

وفي المقابل يكفُّ الموظف عن إهدار الوقت في غير مصلحة العمل، ويجتنب الكذب، والغش والخداع، والرشوة والمحسوبية، ولا يؤذي الآخرين ولا يكذب ولا ينافق أحداً.

فهذه الأعمال والوظائف بمجملها متى ما توفر فيها شرط إخلاص النية الحسنة لنفع الآخرين كانت عبادةً وقربةً يُؤجرُ العبدُ على فعلها يوم القيامة.

وبهذا يكون نيل الأجر المادي مقابل العمل لا يتعارض مع الأجر الأخروي متى ما صلحت النية وفق ما سبق تقريره.

كما أنَّ لحُسْنِ الخلق أثراً ظاهراً في زيادة الإنتاج والدخل القومي، حيثُ أنَّ الموظفين والعاملين الذين يتميزون ويتمتعون بالأخلاق الحسنة تزيد إنتاجيتهم أكثر من غيرهم، من خلال حسن المنطق والمظهر، والحضور وعدم الغياب والتعذر والتحجج بحجج واهية للتهرب من العمل وأداء المهام بإتقان، مع المحافظة على أسرار وممتلكات العمل، والقدرة على الالتزام وتحمل المسؤولية، والتفاني الإيثار، وبث روح الإيجابية بين الزملاء، والفاعلية في الأداء، وبناء فريق عمل متماسك.

وفي المقابل لا تجد شخصاً سيَّء الخلق ناجحاً في حياته وعلاقاته الخاصة والعامة، كما أن الشعوب والمؤسسات التي لا تتمتع بأخلاق راقية وعالية تجدهم متخلفين عن باقي الدول والشعوب وللأخلاق أهمية كبيرة جدا في حياة كل إنسان.

فالإسلامُ منهجٌ متكاملٌ، يراعي الجانب الدنيوي والديني، يدعو ويحثُّ الموظفين على ضرورة التمسك والالتزام والمحافظة على الأخلاقيات الوظيفية خدمةً للمجتمع والدولة.

فالأخلاق الفاضلة والسلوك الحميد،،، سببٌ أساسيٌّ لصلاح الفرد والمجتمعات، وتميّز المؤسسات، ورقي الدول، ونهوض الأمم. 

والأخلاق والقيم والمبادئ،، هي عنوان الشعوب والدول وأساس الحضارة وتقدمها، كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته:

” إنما الأمم الأخلاق ما بقيت…فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”

الأخلاق الحميدة،، هي السبيل لتحقيق الأمنيات والأهداف والطموحات.

الأخلاق الفاضلة،، هي ما ترفع من شأن الإنسان في العمل، وبين الأهل، وأمام المجتمع.

الأخلاق الكريمة،، هي مصدر النجاح والتوفق والتميّز.

ومن هنا كان لزاماً على كل موظف أو عامل معرفة الواجبات الأخلاقية، وسلوك وأنماط الوظيفة، والالتزام بها أثناء أداء وظيفته ومهنته؛ حتى يُحقق المسلم النجاح في الدنيا، والفلاح في الآخرة.

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)