الإعلامُ بين المَغْنمِ والمَغْرمِ!

الإعلامُ بين المَغْنمِ والمَغْرمِ!

أبريل 26, 2022 - 13:56

مقال الكاتب/ أسامة المبروك صالح

يعيش المرء اليوم في فضاء واسع فسيح يعجُّ بالمحطات الفضائية، وبأثير الإذاعات المسموعة، والمنصات الإلكترونية، التي من خلالها يُبثُّ كمٌّ هائلٌ من المعلومات والأخبار والصور والفيديوهات غير المحدودة ولا المضبوطة بضابط شرعي ولا حدّ أخلاقي ولا معيار مهني- إلا النزر اليسير-.

والإعلامُ اليومَ بأساليبه المتطورة ومجالاته المتنوعة مستولى على أوقات الناس، بل جعلهم أسرى لديه! أسَرَ عقولهم وتفكيرهم، سرقَ أوقاتهم واهتماماتهم، بل وصحتهم!

والإعلامُ سلاحٌ قديمٌ استعمله المصلحون والمفسدون على حدٍّ سواءَ، كلٌّ خدمةً لأهدافهِ، فحينما دعا موسى عليه السلام فرعون إلى ربّه، جمع فرعون قومه لميقات يوم معلوم، )وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) ثم عرضوا حججهم وزيفهم أمام الملأ ليصدوا عن الحق مقابل طمعٍ في منحٍ وعطايا ( أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ)؟ فردَّ عليهم سلطانهم الطاغية مؤمناً بأهمية دورهم: (نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) فمارسوا التضليل الإعلامي على شعوبهم- كعادة الظلمة والطغاة في كل زمان- وسَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ .. ولكن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ألقى عصاه وتلقفتْ ما يأفكون، ونسفتْ حججَهُم وزيفَهُم أمامَ الناس، في صورة إبداعية لغلبة الإعلام الصادق على الإعلام الكاذب. 

وهذه الحروب الإعلامية تُديرها جيوش بشرية، بأدوات وأجهزة ومعدات فنية وتقنية، مع تمويل مالي غير محدود!

وأنت -أيُّها الإعلامي- فردٌ من هذه الجيوش الجرَّارة! فما هو دورك؟ وأين مكانك في حروب وصراعات إعلامية لا همَّ لقادتها إلا زيادة عدد المشاهدين، وجذب المتابعين، وجمع الأموال! من خلال ترويج لأفكار مسمومة! وفرض سياسات مغلوطة، ونشر أخبار مكذوبة، مع صرف الأمة عن قضاياها الرئيسية...إلخ من الغايات والأهداف -غير المشروعة- كلٌ وفق خططه وسياساته وأجندته، ضاربين بالمبادئ الإسلامية عرض الحائط، ومخالفين للأعراف النبيلة وقيم المجتمع المحافظ، تحت عباءة الحرية أحياناً، والترفيه تارة أخرى، ومستغلين معاناة الناس للمتاجرة بآلامهم وصورهم وأحوالهم؟!

وفي خضمَّ هذه الحرب الإعلامية الطاحنة يطلُّ علينا إعلامٌ محافظٌ، يَنشرُ الفضائل، ويُصحّح المفاهيم، ويُدافع ويُنافح عن قضايا الأمة، ويُكشف زيف الأراجيف والانحرافات الأخلاقية.

ومن هنا أُسطّرُ كلماتي -تبجيلاً وإكراماً؛ مذكراً بتوفيق الله -، لذاك الموظف المسلم الذي يجدُ نفسه خادماً لهذا الإعلام المحافظ، في إحدى المؤسسات الإعلامية الهادفة؛ مذيعاً أو مصوراً أو محررَ أخبارٍ، أو مهندساً أو مُخرجاً...إلخ أذكره -داعياً المولى له بالتثبيت والسداد - بهذه الفرصة العظيمة لنيل الأجر والمثوبة من خلال وظيفته؛ فتخيَّل معي كم من الأجر يلحق هذا الكادر الإعلامي كلما عرضت المادة الإعلامية؟ وكلما استفاد القارئ من المحتوى؟ كلُّ ذلك في ميزان حسناته، "فمن دَعَا إِلَى هُدىً كانَ لهُ مِنَ الأجْر مِثلُ أُجورِ منْ تَبِعهُ لاَ ينْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئًا" كما جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم، فالعاملون فيه بحقٍّ على ثغرٍ عظيمٍ من ثغور الأمة. 

فأَنْ تجد نفسك أيُّها العاملُ المُوفَّقُ- في بيئةٍ إعلاميةٍ محافظةٍ، تعمل بمعاييرَ أخلاقيةٍ، ومنضبطةٍ بقيمٍ إسلاميةٍ عادلةٍ فذاك الفوزُ والمغنمُ، والسلامة من المأثم، فأيُّ نجاحٍ وأيُّ فلاحٍ أعظمَ من أن تكون منبراً للخير، تُسهم في رفع معاناة المواطن، وتُساعد في تقديم الخدمات الاجتماعية، أو المعلومات الصحية والثقافية، أو البرامج الدينية...إلخ فتقدِّمُ المعلومة الصادقة الهادفة، وتصون الأعراف والتقاليد الحميدة، وترعى الأخلاق الفاضلة، وتعزز الروابط الاجتماعية.

فأعداءُ الإسلامِ ما فتئُوا وما كَلُّوا ولا مَلُّوا من استخدام هذا السلاح في محاربة الدين وثوابته، وهدم الأخلاق الفاضلة والأعراف والتقاليد الحميدة؛ الأمرَ الذي يدعُونا ويحثُّنا –ويوجبُ علينا-تكثيف الجهود لدعم هذا الإعلام الهادف البنّاء. 

وفي المقابل كم من إثمٍ يجرُّهُ ذاك العامل في المجال الإعلامي الفاسد المأجور، من خلال نشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة، وبث المعلومات المكذوبة، والأخبار الزائفة المغلوطة، وتحريف الدين، وهدم الأخلاق، وقطع أواصر الصلات الاجتماعية، وزرع الفرقة بين الشعوب، وإثارة النعرات الطائفية... إلخ من صور وأشكال الفساد الإعلامي، فذاك -والله- هو المأثمُ والمغرمُ.

فالإعلامُ سلاحٌ مُدمرٌ بقدر ما هو سِلاحُ إصلاحٍ وبناءٍ، والمُوفق من وفقه الله تعالى.

وبما أنَّ العملَ الإعلاميَّ هو عملُ فريقٍ متكاملٍ متجانسٍ، لا يقل دور أحد العاملين فيه عن غيره، فالعامل في المجال الإعلامي - على أيِّ وظيفيةٍ كانتْ- له من الأجر والثواب- متى ما خلصت نيتُهُ- ما لا يعلمه إلا الله، فهو من الأعمال الجارية نفعها عليه حيّاً وميّتاً، كما أنَّ المشارك في مؤسسة إعلامية فاسدة –بأيِّ صفةٍ كانتْ مشاركتُهُ- عليه من الإثم الدائم المستمر مادامت تلك المادة تنتشر في الناس. 

ومن هنا نرسل رسالتنا للعاملين في المجال الإعلامي المحافظ –مثمنين جهودهم ونضالهم- أَنِ اصبِرُوا واجتهدوا ..وثابروا وابتكروا وأبدعوا في نشر الخير بين الناس، من خلال مؤسستكم الإعلامية، أو عبر المنصات الإلكترونية، فلكم من الأجر والثواب بقدر نفعكم وتأثيركم في المجتمع. 

فبوظيفتكم تَصِلُ كلمةُ العلماءِ المخلصين، والدعاةِ المصلحين، والمثقفينَ المبدعين، ويُبلَّغُ دينُ الله تعالى للعالمين بأسرع الطرق وأحدثها، وأنجعها تأثيراً في الناس.

ومن خلال عملكم تُقدَّمُ المعلومةُ الصادقةُ، بعيداً عن الزيف والأراجيف، وتُكشفُ الشبهاتُ، وتُحاربُ الأهواءُ والشهواتُ.

وبنضالكم الإعلامي تُستردُّ الحقوقُ، ويُرفعُ الظلمُ، وتُنصرُ قضايا الأمة العادلة، وتُعرضُ الأحداثُ في صورها الحقيقية.

فأنتم على ثَغرٍ عظيمٍ من ثُغورٍ الإسلام أسوتُكم رُسُلُ اللهِ (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا).