أزمة الأخلاق

أزمة الأخلاق

مايو 05, 2022 - 16:06

مقال الكاتب/ أسامة المبروك صالح

نعيش اليومَ خلال هذه الأيام والأعوام المتأخرة أزمةً تكاد تعصف بالمجتمع وتفكك أواصر العلاقات في كافة مناحي الحياة؟ الأمر الذي يستوجب علينا المسارعة في علاجها والتذكير بها في كل وقت وحين؟ ألا وإنَّ تلكم الأزمة الشانئة هي أزمة الأخلاق، وفساد ذات البين.

لئنْ كان أثقلُ شيءٍ في الميزان يجدهُ المؤمن يوم القيامة هو حسن الخلق ففي المقابل فإنَّ الله يبغضُ الفاحشَ البذيء!!

ولئنْ كان أحبُّ النَّاس وأقربهم منزلةً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة هم أحسنُ الناس خلقاً.. فإنَّ أبغضهم وأبعدهم مجلساً منه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة هم الثرثارون والمتشدقون والمتكبرون ـ كما قال عليه أفضل الصلاة وأتمَّ التسليم.

ولقد ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال: "هي في النار"!!

الأخلاق السيئة كما تفسدُ على المرء دينه فإنها تفسد عليه دنياه أيضاً بل وتعيق المجتمع بأكمله.

فمن صور أزمة الأخلاق التي نعانيها في بلادنا هذا الزمان:

عقوق الوالدين وعدم احترام الكبير الذي كان في الزمن القريب يستحيي الابنُ من والديه وأقاربه وجيرانه الذين هم أكبر منه سناً أو أساتذته وشيخه حتى في الشارع والأماكن العامة، أما اليوم ـ وا أسفاه ـ صار كبيرُ السنِّ والأستاذُ هو الذي يستحيي ويلوذُ فِراراً إنْ رأى شاباً من تلاميذه بسبب أنه لا يُعيرهُ اهتماماً ولا يُوليهِ احتراماً وتقديراً!

كما أنَّ من كبرى الأزمات الأخلاقية في بلادنا - سلمها الله - الاستهزاء بالناس واحتقارهم لاسيما العلماء والعاملين من أهل العلم والصلاح، يُلْمَزونَ ويُطعَنُ فيهم بجهلٍ وبقلةِ أدبٍ وسفاقةِ وجهٍ بكلامٍ بذيءٍ بما لا يصلحُ -ولا يجوزُ- أنْ يُقالَ في مسلمٍ عادي كبيرِ السنِّ، فكيف في حقِّ عالمٍ كبير؟!؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاثٌ من إجلال الله إكرام السلطان العادل، وذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه".

ومن صور أزمة الأخلاق البشعة المُنكرة والمُستشرية حتى بين الأخوة والأسرة الواحدة ألا وهي: الفجور في الخصومة والتشفي بالخصم والتشهير به، فالناس تختلف أفهامهم وأفكارهم ولا يمكن أن يجتمعوا على رأي واحدٍ في الغالب؛ فالله تعالى يقول: (لا يزلون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) لكننا نرى ونسمع بعض من تختلف معه في رأي أو مسألة ـ مع أنك قد اتفقتَ معه في أكبر من ذلك ـ لكنه يفجر في الخصومة معك ويحملك ما لم تقله، وما لم يخطر ببالك!! وهذه من صفات المنافقين عِياذاً بالله فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث ومنها: إذا خاصم فجر" وفي الحديث الآخر: "أبغض الرجال عند الله الألدُّ الخصم" والأغرب والأعجب والأدهى والأمر!! هو أنْ يخالفك في مسألةٍ أو رأي أو توجُّهٍ فيُشهِّرُ بك ويبحثُ عن عيوبك في مسائل أخرى! ويطعن في صالح أعمالك! بل ويتشفى ويفرح بضررك؟! بل ويسعى في قتلك ويعبث بجثتك!! ويا لله للمسلمين! كيف انتكستْ فِطرُ بعض الناسِ! وارتكستْ أفهامهم؟! فلا لحقوق الإسلام يراعون، ولا بأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام- ملتزمون، القائل: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، والقائل: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله"؟! ونحن في ليبيا -في بعض الصراعات- كلُّ المسلم للمسلم مباحٌ! دمُهُ ومالُهُ وعرضُهُ!! يُهجَّرُ ويُفجَّرُ بيتُهُ، ويقتلُ إنْ تُمكِّنَ منه!!!   

وهكذا تهدر وتنسف كل الحقوق الشرعية، والالتزامات الوطنية، والأعراف القبيلة بل وحتى الفطرة الإنسانية لأنه يخالفك في رأي قد يكون "مُخالفك" هو المخطئ!!

بعض الناس: لا يرى بأساً أن يجحد كل معروف؟! ولا يعتريه خجل أن ينكر كل جميل!! في سبيل مصالحه وتوجهاته.. وهذه إحدى الأزمات!! والنَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في أُسَارَى بَدْرٍ كما في صحيح البخاري: "لو كانَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلَاءِ النَّتْنَى؛ لَتَرَكْتُهُمْ له" فلم ينسَ ـ عليه الصلاة والسلام ـ جميلَ فضلِ المُطعم بن عدي عليه حتى وهو كافرٌ، وتمنى أنْ لو كان حياً ليكافئه على معروفه!! ولَأَطْلَق سَراحَ الأسرى المشركين بغيرِ فِداءٍ؛ إكرامًا له، ورَدًّا لجَميلِه، لكونه سعيَ في نَقْضِ الصَّحيفةِ التي كَتَبَتْها قُريشٌ.

وبعضُ المسلمُين اليوم يتعاشرون السنين الطوال، ولهم علاقات وطيدة أسرية وعائلية وجيرة وأحباب... إلخ ينسفُ كلُّ ذلك بسبب خطأ عملي! أو خلاف فقهي! أو توجّه سياسي؟!

نعم، من عقيدة المسلم الولاء والبراء، بمعنى أن تُحبَّ وتُوالي من أحبَّ الله ورسوله، وتبغض وتعادي من عادى الله ورسوله، لكن بعضنا وللأسف يستعملها في أخيه المسلم بما لا يستعملها في الكافر واليهودي المحارب!! 

فلا يجد -ذاك المخذول!- ضيراً أنْ يُحبَّ مُمثلاً يهودياً أو لاعباً نصرانياً أو ملحداً بوذياً بل وقد يفتخر به ويقلده في ملبسه ومشيه!! لكن –في المقابل- يكنُّ العداء وكل البلاء لأخيه المسلم الذي خالفه في رأيه أو توجهه..

سيُّءُ الخُلقِ أوَّلُ مَنْ يُؤذي هي نفسَهُ التي بين جنبيه! قال الصحابي الجليل أبو حازم رضي الله عنه: "سيئُ الخلق أشقى الناس به نفْسُهُ؟! ثم زوجته، ثم ولده، حتى إنه ليدخل بيته وهم في سرور فيسمعون صوت فينفرون عنه فرقاً منه"؟! وهذا مشاهد! حيثُ أنَّ سيئَ الخلق لينفر منه جاره وأهله وأقاربه، وإن دخل قرية أفسدها وجعل أعزة أهلها أذلة، فلا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، لا يرعي صغيراً، ولا يحترم كبيراً، ولا يوقر شيخاً وعالماً، ولا يستحى من العباد، همُّهُ نفسُهُ وبطنُهُ وشهوتُهُ وشهرتُهُ وسلطانُهُ ولو على حساب إخوانه وبلاده ووطنه.

وهذا على مستوى الأفراد والجماعات، دعك من معايير بعض الحكام والملوك والأمراء! فأولئك معاييرهم مقلوبة بلا مراءَ، وحساباتُهم وتعاملاتهم مع المسلمين إفكٌ وافتراء!! فلا لحرمة الإسلام يعيرون، ولا لممتلكات وأرزاق المسلمين يراعون، بل يقتلون ويُهجرون وفي غيابات الجُبّ يلقون! وما ذاك إلا أنهم قالوا: ربنا الله وحده ولا رب لنا سواه!!

وفي الختام نذكّر أنفسنا جميعاً بمثلنا الأعلى نبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان المثال الأسمى الذي يُحتذى به في حسن الخلق والعشرة، مع جميع البشر؟! فلم يظلم أو يسئ معاملةَ أحدٍ مسلماً كان أو كافراً، يعفو ويصفح ويتحمل وينصح، كيف لا وهو الذي أرسل رحمة للعالمين، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: "إنَّ الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم!!" ويقول أيضاً: "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق".

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)