عقيلة المنسجم مع الواقع

عقيلة المنسجم مع الواقع

مايو 05, 2022 - 19:09

بقلم الكاتب / محمد المغربي

يقرر الغزالي في الإحياء، "أن شهوة حب الرياسة تزيد مع تقدم الناس في العمر، بينما تقل شهوتهم للنساء"، فإن لم توافقه في الثانية، فإني أنصحك أن تأخذ الأولى بمحمل الجد، وهي ليست عسيرة على التصديق، فبينما يشتكي عقيلة صالح مثلا من انقراض شعر رأسه واحديداب ظهره وأعين تكاد تسقط عن محجريهما، ولا تحتاج أن تكون لديك نظرة طبيب ثاقبة لتستنتج أن جسده لم يعد يعمل بكفاءة عالية، إلا أنه يجد في هذا الجسد قدرة على تحمل أعباء دولة متخمة بالكوارث، إذا كان لا يزال سائغا تسميتها بالدولة، وإذا كنت تراهن على عقله وحكمته، لا على جسده وصحته، فهذه سيرته القيادية بين يديك، لعلك واجد فيها ما يدعم قولك أو ينسفه، وهو بعد هذا كله يصرح بكل ثقة أنه معروف عنه بأنه هو من يشّرف المناصب وليست المناصب من تشّرفه، متى عُرِف عنه هذا؟ لا أحد يعلم، ولكنها الحكمة كما ترى.

لكي لا نقسوا على عقيلة، فهو ليس حالة شاذة في بيئته، ولا يحمل مخالفة لسنن الحياة، فها هو الغزالي ينبئنا بهذا قبل مئات السنين، وها هم أقرانه يفعلون ما يفعل.

وإن كان حب الرياسة شهوة غريزية لا يكاد ينجو منها مخلوق ، فإنك تجد المخلوقات تحاول تنظيمها كل حسب ما حباها الله به من قدرات، فبينما تحتكم الحيوانات لمنطق القوة، فتلجأ كل ذات قرن للنطح، وكل ذات ناب ومخلب للنهش والخدش، تجد بني الإنسان لا يزالون يحاولون تنظيمها منذ الأزل، فهم يتدافعون في ذلك، تارة يتقهقرون ليحتكموا لمنطق السباع، وتارة يسمون بالشورى ليوافقوا الوحي، ولهم بين هذا وذاك درجات لا تكاد تحصى، هي أشبه بتدرج الألوان الذي تجده عند بائعي طلاء الجدران، حتى أن بعضهم جمع متناقضات عقلية ومنطقية باسم العقل والمنطق، فوصل لسدة الحكم بانقلاب عسكري مشبوه، تبعه هياج حيواني دموي لتأمين الحكم، ثم ألف كتابا يشرح فلسفته في الحكم، لم يكن "فاعلية الانقلابات فترة الستينات" ولا "كفاءة الإعدامات في حرم الجامعات"، بل زعم في فصله الأول أنه جاء بالحل النهائي لمشكلة -ويا للعجب- الديمقراطية، وسماها سلطة الشعب، وملخصها أن يجلس الناس على الكراسي، ويشاركون في السلطة بالهتاف المؤيد لطريقة الزعيم الخالدة في الحكم.

كل ما سبق رغم غرابته الظاهرة حين التوقف عنده للوهلة الأولى، إلا أنه بديهي منسجم مع طبيعة التدافع البشري للبقاء، يدخل كله في منظومة الصراع الدولي، الذي يقع في قمته أمم تدير الصراع، وفي قاعه أمم تدور في الصراع، أو يدور عليها الصراع.

وإن لم نعد اليوم -كما لا يجد القارئ شكا- من الأمم التي تدير الصراع، فلا مخرج من هذا القاع إلا بتوسيع دائرة إدراكه، فكلما ازداد إدراك الليبيين أن الخنوع لحاكم واحد مهما بدا مقنعا، هو بسط للطريق أمام الاستبداد السياسي؛ الذي تواترت الأخبار عن مآلاته الشنيعة، زادت الفرص برفض كل من لا يمكننا محاسبته، وبالتالي نحظى بحاكم يهاب شعبه فلا يظلمه، ومن هنا نضع أول قدم في ركاب نهضة بدأت بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: "الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني".

 

(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)