للحديث صلة … سياسة التعليم

للحديث صلة … سياسة التعليم

مايو 08, 2022 - 17:17

د. كمال الهرّامة | عميد كلية العلوم الشرعية والإفتاء

تقوم سياسة التعليم علىٰ وجهتي نظر أولاهما تقدم تعليما ممتازا لنخبة صغيرة من المجتمع توفر لها كل إمكانيات التعليم التي تجعلها الصفوة المختارة في المجتمع، تحقق غاياته العلمية ، وتتميز عن بقية أفراده بميزات كثيرة تظهر في نوع التعليم وفي توفير كل احتياجاته ودفع المنح لطلابه والمرتبات العالية لأساتذته وتسخير الامكانيات الأساسية والكمالية لمرافقه التعليمية والتربوية والتثقيفية ، والمعمارية،  وبذلك  تنشأ في المجتمع نخبة علىٰ قدر كبير من التعليم المتميز ولكنها في نفس الوقت طبقة مختلفة عن بقية طبقات المجتمع بما يتحقق لها من إمكانيات مادية رفيعة ومستوى تعليمي ممتاز ، ويكون من مهمتها النهضة بالمرافق التي تتولاها هذه النخبة والتواصل مع العالم الخارجي للاستفادة من التقنيات العلمية وإحضارها إلىٰ معاملهم ومكتباتهم والاستفادة منها في مشاريع الدولة وخططها المستقبلية ، وفي هذا عناية بالكيف دون الكم .

أما وجهة النظر الثانية فهي تركز علىٰ نشر المعرفة فيٰ أكبر عدد من الشعب، وعدم الاقتصار علىٰ النخبة أو الصفوة المعروفة بالذكاء والنبوغ ، وهذا يعني أن نفقات التعليم توزع علىٰ نطاق أوسع فيقل مستوى الإمكانيات بسبب اتساع رقعة توزيعها، ويقل الاهتمام بالموهوبين وسط الكثرة الكاثرة من المقبلين علىٰ التعليم وحقوقهم المتساوية كما يحدث عادة في الخطط التي تعنى بالكم دون الكيف.

ولكل من هاتين النظرتين مزاياها وعيوبها ، فمزايا النظرة الأولى هو عنايتها بالأذكياء والموهوبين وتهيئة كل أسباب التفوق لهم والإنفاق عليهم واختيار صفوة الأساتذة لهم وهو الأمر الذي يجعلهم طليعة المجتمع تقوده بما تمكنت من تحصيله من علومٍ في مجالات مختلفة ، ولكنها تحرم العدد الأكبر من أبناء الشعب من هذه الميزات المادية والمعنوية التي تغدقها علىٰ هذه النخبة ، ولاشك أن في هذه النظرة الكثير من أوجه الإحسان والإساءة ، بمعني أنها أحسنت إلى هذه الفئة وأحسنت إلىٰ المؤسسات التي تُسْلِمها في أيدٍ قادرة علىٰ حسن إدارتها وتطويرها. ولكنها أساءت بقصر العناية علىٰ هذه الفئة المحدودة التي مكنتها الظروف من الوصول إلىٰ هذا النوع من المدارس والجامعات المتميزة.

ولِلْجَمْعِ بين مزايا النظرتين توجد العديد من الأفكار التوفيقية ومنها فتح المجال الدراسي للجميع وتخصيص بعض المدارس للموهوبين والمتفوقين مع إعطائهم بعض المزايا التي استحقوها بجدهم وذكائهم وهو ما يسمح بالعدالة الممكنة بين الفئتين.

ويمكن أيضا إرسال المتفوقين في بعثات تعليمية خارجية أو استقدام خبرات نادرة لعدد قليل من الدارسين المتفوقين، مع عدم إهمال التعليم العام لبقية فئات المجتمع وإن قل مستوى العناية مقارنة بالمتفوقين بطبيعة الحال .

وفي مثل هذه المقترحات نلاحظ أن العدالة تأخذ حظها من التخطيط لأنها لم تهمل تعليم الفئة الواسعة من أبناء الشعب ولم تحرم المتفوقين من تعليم يناسب قدراتهم وإمكانات تحقق لهم مستوى التفوق الذي هم عليه وهو ما يعود بالخير علىٰ المجتمع بكامله .

وللحديث صلة .

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)