كُلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ

كُلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ

مايو 14, 2022 - 10:14

بقلم الكاتب/ أسامة المبروك صالح

صورة من الأرشيف

لديننا الحنيف أحكامٌ مُحكمةٌ تُناسبُ الجنسينَ ذكوراً وإناثاً، صالحةٌ لكل زمانٍ ومكانٍ بما يتماشى مع الفِطَرِ البشرية السَّوية، وبما يتوافق مع تكوينهم الخلْقي السَّليم، والله تعالى يقول: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). 

ومن ذلك –على سبيل المثال- قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) ويقول سبحانه في سياق قسمة الإرث: (ولَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)

 يقول الإمام القرطبي المالكي رحمه الله تعالى: (بَيَّنَ تعالى أنَّ تفضيل الرجال على النساء في الإرث لما على الرجال من المهر والإنفاق، ثم فائدة تفضيل الرجال على النساء عائدة إليهنَّ، وهذه القوامة التي أُعطيتْ للرجال لما للرجال من زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنساء).  

وهذا هو مقتضى فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون، والله سبحانه يخبرنا عن أماني الشيطان فيقول محذراً سبحانه: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ).

ومن صور تغير خلق الله تعالى: تَشبُّهُ الرجالِ بالنَّساءِ، والعكسُ، فيما هو من خصائصهم ومتوافق مع فطرهم التي فطرهم الله تعالى، وبما يتماشى مع تركيبة الإنسان الفسيولوجية، ولهذا نبينا ﷺ: "لعن المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، و"اللعن" وهو الطرد من رحمة الله؛ وذلك بسبب تبديل –أو محاولة تبديل- خلْقِ الله وفطرتِهِ التي فطَر النَّاس عليها، فاستحقوا اللعن وهو أمرٌ عظيمٌ، فكثيرٌ من العادات القبيحة دخلت ديار الإسلام شيئاً فشيئاً، ولهذا نهانا الله تعالى عن اتباع خطوات الشيطان، فرُبَّ سُلوكٍ لا يظهر فُحْشُهُ أوَّلَ الأمرِ؛ فما إنْ ينتشر ويستسيغه نشء المسلمين، حتى يظهر عوارُهُ وعارُهُ وأضرارهُ. 

ومن ذلك: نهي نبينا ﷺ عن لباس المرأة للرجل أو عكسه، فقد "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ المرْأَةِ، وَالمرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ".

ومن ذلك: التَّشَبُّه بعادات وتقاليد الغرب –الموضة! - في اللباس المُمزق! واللباس الذي يظهر شيئاً من العورات!

ومنه: التَّشَبُّه بالنِّساء في اللباس والتقعر في الكلام والسلوك!.

ومنه: التساهل "واستساغة" الاختلاط والخلوة المحرمة بين الجنسين، في الدراسة والعمل والأسواق ...إلخ فهذه من المُحرمات نهانا الله تعالى عنها وعن أسبابها ومقدماتها. 

  فهذه –ونحوها- إذا لم تُنكرْ ويُنهى عنها؛ فإنَّ النفوسَ قد تعدادُ سماعها ثم فعلها، حتى تنتشر وتُصبح من عادات المجتمع وسلوكه اليومي! فيصير الحقُّ باطلاً والباطلُ حقاً، وهنا يحلُّ غضب الله تعالى وسخطه على الجميع–عياذاً بالله تعالى- والله تعالى يقول محذراً: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

ومن هنا كان لزاماً علينا توجيهُ عِدّة رسائل:

أولها: رسالةً إلى أولياء الأمور؛ وعلى رأسهم –المسؤولين والوالدين- فإنَّ المسؤولية على عاتقهما كبيرةٌ ومهمةٌ، فيجبُ عليهم تحملُ مسؤولية الحفاظ على أبناء المسلمين وتهيئتهم وتربيتهم على الفضيلة وتجنيبهم الرذيلة منذ النشأة الأولى، فنبينا ﷺ يقول: "ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

ثانيها: رسالة للمعلمين والمعلمات فإنَّ الله تعالى سائلهم عمَّا استرعاهم على أبناء المسلمين، فعليهم بيانُ أحكام مخالفة اليهود والنصارى ومخالفة عاداتهم، والنهيُّ عن تشبهم بالنساء، والحثُ على مكارم الأخلاق والرجولة والمروءة، والتخلقُ بآداب الإسلام والمحافظة على هوية أمتنا المسلمة.

الرسالة الثالثة: إلى وسائل الإعلام بضرورة الدعوة إلى الفضيلة لا تزيين الرذيلة!؛ كما ندعوهم "ونخوفهم من غضب ربهم" بضرورة إيقاف البرامج المُنحلة التي تستهدف شبابنا وشابَّاتنا بالإفساد والإغراء والانحلال.  

مع أنَّ الكثير من القنوات الفضائية والمنصات الإلكترونية في بلادنا صار من الواجب الحتمي مقاطعتها، ومنع بثها في بيوت المسلمين؛ لما لها من الآثار السلبية الخطيرة على أبناء المسلمين وأُسَرِهِم، إذ باتتْ تعبثُ بالأخلاقِ والقِيمِ بل والفِطر السليمة! وتطمسُ عاداتنا وهوايتنا الأصيلة.

الرسالة الرابعة: أنَّ ما نراه ونسمع به من الموبقات الشرعية لبعض أبنائنا سببُهُ تغييبُ وتهميش دور الدعاة والوعاظ والعلماء، الأمرَ الذي كان له أكبر سبب في وقوع الناشئة في المخالفات الشرعية؛ فالناسُ تنتابها الغفلة ولا يوقظها من غفلتها إلا الوعظ والتذكير، فيجب على المسؤولين وولاة الأمور العمل على تمكين "ودعم" أهل العلم الموثوق بعلمهم ونصحهم لأداء واجبهم على أتم وجهٍ.

ختاماً: نُذكّرُ المشايخ والدعاة، والمثقفين، والمُربين، والمفكرين والنُّخب –كلاً فيما يخصّه- الالتزام بإقامة وإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ للوقوف ضدَّ انتشار واستشراء المخالفات الشرعية، فإذا ما تكاسل وتساهل أهل الاختصاص في إقامة هذه الشعيرة عمَّ الناسَ فسادٌ عريضٌ أفسد عليهم دينهم ودنياهم، وغرقت السفينة بالجميع! وفي ذلك يقول نبينا ﷺ:"مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإنْ يتركوهم وما أرادوا! هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا"

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الشعيرة التي إذا ما استقامتْ استقامتْ المجتمعات، وإذا غابت ضاعتْ المجتمعات " فَلَوْلَا كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍۢ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ".

 

(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)