النكوص عن الديمقراطية

النكوص عن الديمقراطية

مايو 16, 2022 - 21:17

عبد الله الكبير | كاتب

"إذا جرت الانتخابات فإن النتيجة هي برلمان يجمع بين أنصار عملية بركان الغضب، والنظام السابق، وعملية كرامة. بحصص متقاربة في أفضل الأحوال، مع احتمال أن تكون الأكثرية من نصيب تيار سبتمبر، نظرا لوجود رمز قوي سوف يلتفون حوله. ومن ثم سيشكل هذا البرلمان حكومة تشارك فيها الاتجاهات الثلاث. فلماذا يتعرض للهجوم والتخوين من أراد المشاركة في مشروع سياسي مع معسكر حفتر، وقطع طريق العودة للنظام السابق عبر بوابة الانتخابات، إذا كانت نتيجة الانتخابات محسومة سلفا لمصلحة سيف القذافي وتياره باعتباره صاحب التكتل الاكبر!"

 هذه إحدى حجج أنصار صفقة تشكيل حكومة جديدة ومن ورائها التمديد لمجلسي النواب والدولة. 

 ثمة نزعة استبدادية غير خافية في هذا الطرح، إذ طالما ستكون نتائج الانتخابات على غير المأمول، يتعين اجهاضها، ومعاقبة الشعب الذي لم ينتخب هذا "المأمول" بالحيلولة بينه وبين حقوقه الديمقراطية، باحتكار السلطة عبر صفقة سياسية، بين أطراف حظوظها بالفوز بالانتخابات أضعف من تيار سبتمبر.

 في هذا التصور رجم بالغيب، فنتائج أي انتخابات يمكن الوصول لتوقعات كبيرة بشأنها عبر سبر الآراء واستطلاعات الرأي، ومع ذلك تأتي النتائج أحيانا مغايرة لكل التوقعات علي علميتها ودقتها، ومن ثم يتعذر اليقين في نتائج الانتخابات إلا المزورة، التي يخوضها مرشح واحد، أو تيار واحد، منفردا أو في منافسة مع كومبارس، دوره فقط تخفيف قبح الصورة، حيث يصبح التكهن محدودا في النسبة التي سيفوز بها المرشح الأوحد، وهي عادة تترواح بين %95__ %99.9.

 الأجواء المتوترة، والتعصب القبلي والسياسي، وحالة الاحباط بسبب تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية ولدت الحنين للزمن السابق، وهذا وضع مؤقت سيزول بزوال أسبابه، ولحظة الاختيار ستدفع الناخب إلى إعادة التفكير، والنظر في مصلحته الخاصة بعيدا عن الصراعات السياسية، قبل أن يدلي بصوته. من دون تجاهل بعض التأثير للمال السياسي والولاءات المختلفة.

 الهدف الأسمى للشعوب وهي تخوض غمار التغيير وتبذل التضحيات، هو اسقاط الدكتاتورية والاستبداد وتأسيس البديل الديمقراطي، بامتلاك الشعب لسلطة اختيار من يدير شؤونه عبر صناديق الانتخابات، وفقا لدستور يمثل العقد الشرعي القانوني الحاكم بين كل أطراف السلطات في المجتمع. والنكوص عن هذه الغاية تحت أي ذريعة، هو رضوخ للاستبداد وقبول بعودة الدكتاتوريات.

  الوضع القانوني لا يسمح لسيف القذافي الترشح للانتخابات، ومع ذلك لنفترض أنه تجاوز العوائق القانونية، وحصل أنصار النظام السابق أغلبية برلمانية، فهذا لا يعني عودة النظام السابق بأركانه وقواعده ومنظومته، فالواقع السياسي الليبي شهد تغيرات عميقة خلال سنوات مابعد الثورة، بشكل يتعذر معه استقرار الأوضاع لحكم الفرد المتأله أو حكم العائلة. 

 الأكثر أهمية من نتائج الانتخابات، فوز هذا الطرف أو ذاك، فهذه انتصارات مؤقتة، هو التأكيد على أن الشعب هو مصدر السلطة، بمنحه التفويض الشرعي لمن سيدير شؤونه، وهذه السلطة محكومة بزمن ودستور، واستحقاقات وشركاء من أحزاب وتيارات مختلفة لها نصيبها في القرار، مع قضاء فاعل يحاسب، وإعلام حر يراقب، ورأي عام يتابع، فلا سلطة مطلقة لا يحدها قانون، تنقاد لاهوائها وتمارس نزواتها. وهو ماسيفرض على المنتخب الحرص على رضا الناخبين إذا أراد تجديد الثقة في قيادته وإعادة انتخابه دورة أخرى، فمن يعتقد أنه بوسعه ممارسة السلطة بآليات الماضي، سيسقط بالتجربة ويتوارى في غياهب النسيان. 

 عقب سقوط الأنظمة الشمولية في شرق أوروبا، رممت الأحزاب الاشتراكية بيوتها المنهارة وتخلت عن اللون الواحد، وأعادت طلاء واجهتها بألوان متعددة، وتفاعلت مع القوى السياسية الأخرى في المرحلة الانتقالية، وخاضت غمار الانتخابات، ليحوز بعضها على ترتيب متقدم في الانتخابات البرلمانية، ومع ترسخ التجربة الديمقراطية، واصلت هذه الاحزاب تكيفها مع الزمن الجديد، حتى أنجزت قطيعتها مع إرث الماضي، وابتعدت عن القوالب الأيديولوجية، لتتفاعل مع واقع معقد يحتاج الاشتباك معه إلى فكر متحرر من الإجابات المعلبة الجاهزة. 

وهذا درس بليغ من تجارب الشعوب، يؤكد أن الديمقراطية تترسخ بالممارسة، وأنه لا ينبغي أبدا الخوف منها والاحتراس من نتائجها. ورغم كل عيوبها تظل أفضل أسلوب لممارسة السلطة.

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)