اطرح الأحكام المسبقة أولا

اطرح الأحكام المسبقة أولا

مايو 23, 2022 - 14:32

مقال رأي للكاتب الصحفي #عبدالله_الكبير

الكاتب الصحفي #عبدالله_الكبير

 النصيحة الثمينة قبل القبول على العمل الفني هي التجرد من كافة الأحكام المسبقة، لأنها تسدل حجابا يحول دون الموضوعية والحقيقة. الحكم المسبق عادة هو نتاج الأهواء والرغبات، أو المقاييس الايديولوجية. ينبغي للمرء أن يقرأ القصيدة والرواية والقصة، ويشاهد اللوحة والفلم والمسلسل والمسرحية، من دون أي حكم أو رأي مسبق، ليظفر بالاستيعاب الشامل، والمتعة المضاعفة للعمل الفني، ويقف على كل مايريد الكاتب أو الفنان أو المخرج أن يقوله بوضوح أو مواربة. 

 إذا تدرب المرء على الأخذ بالنصيحة وقرر أن يطبقها على ما تضخه وسائل الإعلام المختلفة للخبر بصيغ وروايات متعددة، حسب الخط السياسي للمنبر، أو على تصريحات ومواقف السياسيين، فسوف يكتشف أشياء خفية لن ينتبه إذا لم يفلت من ثقب الاستقطاب، أو استقبل الحدث مدججا بالاحكام و الآراء المسبقة، أو وقع في فخ التحيز العاطفي ليميل مع هواه حبا أو كرها. 
وهذه أمثلة :
 عند متابعة تطورات دخول رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان للعاصمة، سيكتشف أن أهل طرابلس سهروا حتي ساعة متأخرة ليستقبلوه، ورغم إرهاق السهر المتوقع، أبدى رئيس الحكومة إعجابه بالاستقبال ومنحه درجة الامتياز. وفي السياق سوف يتساءل. أين صور و ومقاطع فيديو هذا الاستقبال، لماذا أهمل تسجيل وتوثيق هذه الساعات التاريخية، ففرحة الناس واستقبالهم الممتاز رغم تأخر الوقت، تعكس الشعبية الجارفة للحكومة ورئيسها، وهو ما يغني عن كل انتخابات.

 أما إذا تعاطى المتلقي مع الخبر بعصبية وفقا لثنائية مع أو ضد، فالأرجح هو سيطرة الفرح إذا كان مؤيدا أو الغضب إذا كان رافضا، ومن ثم لن ينتبه لتفصيل صغير حول استقبال الساعة الثانية بعد منتصف الليل الذي لم يشهده أحد. 

 في اليوم التالي علق الناطق باسم الحكومة لوسائل الإعلام، مؤكدا أنهم دخلوا مسالمين وبدون سلاح في سيارتين مدنيتين، من دون أن يفسر سبب دخولهم للعاصمة خلسة تحت جنح الظلام! مؤكدا وجود تنسيق مع الكيانات والبلديات، وعلى الفور أنكرت البلديات في بيان متلفز هذا التنسيق، وأنها تعترف فقط بحكومة الوحدة الوطنية، فيما لم يذكر عبدالجليل اسماء هذه الكيانات، ولكن هذا التنسيق المسبق يعني التآمر للانقلاب على الحكومة الشرعية، وطردها من طرابلس، وفرض أمر واقع يلزم كل الأطراف محليا ودوليا بقبوله.

 للوهلة الأولى قد يعتقد المرء أن تصريح الناطق باسم الحكومة حول تواصلهم المستمر مع الجانب التركي، يقصد به الدوائر السياسية العليا في تركيا، غير أن عبارة الجانب التركي فضفاضة وغير دقيقة، وليس بالضرورة أنها تعني السلطات السياسية المسؤولة عن الملف الليبي في تركيا، فقد تعني الشركة التي ستتولى تجهيز بوفيه الحلويات والمشروبات، عند تمكن الحكومة من السلطة في طرابلس، لكن الأكثر أهمية في هذه الجزئية هو تسويق كل أطراف الصفقة، علي أنها نتاج توافق ليبي خالص، لم تشبه شائبة التدخل الخارجي، لينجز الليبيون وحدهم وبارادتهم الحرة الأبية اتفاقهم، ويشكلون حكومتهم ماضين في فرض الإرادة الوطنية بدون تعليمات السفراء. فما الداعي إذا للبحث عن شرعية لدى الجانب التركي؟ ولماذا يحتفى باللقاءات مع السفراء بهذا الشكل المبالغ فيه؟.

 وفي إطار محاولات لا تنتهي لفرض صفقة التمديد صرح أحد عرابيها أنه لا سبيل أمامنا إلا التوافق أو الحرب. والمؤكد دائما أن الأغلبية تتمسك بالخيار الأول، غير أن المقصد من التوافق ليس الإجماع على حل سياسي يلبي تطلعات الشعب، وتشارك في صياغته جل القوى المؤثرة في المشهد السياسي، بل المقصود هو قبول صفقة التمديد لمجلسي النواب والدولة، وتمكين التشكيلة الحكومية المفروضة من الطرف المهيمن على مجلس النواب، ومن يرفض ستشن عليه الحرب حتى يرضخ أو يقتل. فالتوافق أو الحرب هنا هي صياغة مموهة لعبارة نحكمكم أو نقتلكم.

 التلاعب بالكلمات، والتمويه بعبارات تحتمل التأويل هو مهنة أهل السياسة، وعلى المرء أن يحذر دائما من أن تقوده العاطفة إلى سوء التأويل، وليس ثمة وصفة أكثر فعالية من النصيحة التي صاغها النقاد للمنصنفات الفنية. إزاحة العواطف والأحكام المسبقة جانبا والتزام الموضوعية.

         (المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)