الثبات على الحق أمام المغريات
بقلم الكاتب|أسامة المبروك صالح
إنَّ الثَّباتَ على الدِّينِ ومَبادئهِ وقِيمِهِ، والاصطفاف مع الحق وأهله، لهو النعمةُ العظيمةُ، والهبةُ الربانيةُ الكبيرة، يُكرمُ اللهُ بها خِيرةَ خلقِهِ وصفوةَ عبادِهِ، قال تعالى:{ولَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا}.
فالمؤمن يخاف ويحذر وعيد الله تعالى إنْ هو فرّطَ وتقاعسَ عن نصرة الحق والثبات عليه، قال الله تعالى:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً}وسَوفَ يَندَمُ المجرمُ يوم القيامة، ويَتَمَنَّى العودَةَ لدنياه من أجلِ العملِ الصَّالِحِ، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُون}.
هل سَمِعَ المجرمُ المُفرطُ! المتبع لهواه والعامل لمصلحة نفسه على حساب دينه وأمته! بهذهِ الآيةَ العظيمة؟!
هل سَمِعَ قاتِلُ الأبرياءِ، ومُرَوِّعُ الأطفالِ والنِّساءِ والضُّعفاءِ، وآكِلُ أموالِ الناسِ بالباطلِ، ومُهَدِّمُ البيوتِ، ومُرَمِّلُ النِّساءِ، ومُيَتِّمُ الأطفالِ، وهاتِكُ الأعراضِ، مهجر الأبرياء، بهذه الآيةَ المُحكمة؟
إنَّ الرجلَ الوطنيَّ حقاً.. والمسلمَ الثابتَ صدقاً يقف مع الحقٍّ ولا يَتَأثَّرُ بِالمُغرِياتِ، أسوته في كلِّ أحواله نبيَّه ﷺ، فيَومَ أنْ أغراهُ كفارُ قريشٍ وحاولوا أن يستميلوه إلى باطلهم، وعرضوا عليه المال والجاه والنساء، ونبينا الكريم -عظيمَ الجاه- يأبى عليهم إلا أن يكون عبداً رسولاً، حينما جاءه أبو الوليد يعرض عليه المُغرِياتِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "قُلْ يَا أَبَا الوَلِيدِ أَسْمَعْ، قَالَ: يَا بْنَ أَخِي، إنْ كُنْت إنّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الأَمْرِ مَالاً جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالاً، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفاً سَوَّدْنَاك عَلَيْنَا، حَتَّى لا نَقْطَعَ أَمْراً دُونَك، وَإِنْ كُنْت تُرِيدُ بِهِ مُلْكاً مَلَّكْنَاك عَلَيْنَا؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيك رِئْيًا تَرَاهُ لا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نَفْسِك، طَلَبْنَا لَك الطِّبَّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ.
قال: يَا عَمَّاهُ، والله لَو وَضَعُوا الشَّمْسَ في يَمِيني وَالقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أنْ أَتْرُكَ هذا الأمْرُ، مَا تَرَكْتُه حتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أو أهْلَكَ فِيه ما تَرَكْتُهُ". اهـ. أخرجه البيهقي في دلائل النبوة.
هذا هو الثَباتُ على الحقِّ، فالمواطنُ الصالحُ، والمؤمنُ المحتسبُ لا تغريه المناصب، ولا المكاسب، ولا المغانم إنْ عرضتَ عليه! ولا يترك نصرة الحق لكثرة المخالفين المتآمرين، الرجل الوطني حقاً، لا يفاوض على الحق! ولا يُماكس! ويقيسُ الحقَّ بقبول الناس من عدمه! بل الواجب عليه الوقوف مع الحق وأهله ينصرُ المظلومين والمستضعفين، وما عليه بعد ذلك ألا يقبله الناسُ فيتنازل رويدا رويداً.. ويعمل وفق ما يطلبه المستمعون ويهوونهُ!
فهذا نبي الله سليمانُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يُعرضُ عليه المالُ والهَدَايا فَيَأبى، قال تعالى حِكايةً على لِسانِ بلقيس:{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُون * فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُون}فهذه حال المسلم، لا يُمكنُ لِدُنيا فانيةٍ أن تُغرِيَهُ، أو صفقات مشبوهة أو محرمة أن تزيحه عن مواقفه، كأخذ الهدايا مقابل تقديم معاملة على أخرى، أو دفع رشاوى لنيل اعتمادات مصرفية دون تقديم مستندات صحيحة، أو تهريب بضائع منتهية الصلاحية أو مخالفة للمواصفات الصحية .. إلخ من المعاملات الباطلة المحرمة، التي ما زادت المواطن إلا رهقاً.
وهذا سيِّدُنا يوسفُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تُعرَضُ عليه شهوة النساء التي هيَ أشَدُّ الفِتَنِ على الرِّجالِ، وقد غُلِّقتْ الأبواب وتهيَّأتْ{وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ! قَالَ مَعَاذَ اللهِ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُون} فليكن هذا سبيل شبابنا أمام الفتن والمغريات.
المؤمنُ الثابتُ أمام تقلبات السياسة، ومغريات المصلحة الشخصية لا يَتَأثَّرُ أيضاً بِالوعيدِ والتَّهديدِ، لأنَّه على يَقينٍ بقول ربه تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا} لا تخيفه تهديدات الفسقة والفجرة والعقوبات الدولية؛ إذ يعلمُ يقيناً (أَنَّ الأُمَّةَ لَو اجتَمعتْ عَلَى أَنْ ينْفعُوه بِشيْءٍ، لَمْ يَنْفعُوه إِلا بِشَيْءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَه، وإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوه بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوه إِلا بشَيْءٍ قد كَتَبَهُ اللهُ عليْه)
صاحبُ المواقفِ الثابتةِ لا يتيهُ مع التائهين ولو طال النضال، أو تأخَّر النَّصر، وتوالتْ الفتنُ؛ يخاف قوله ربِّهِ (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا).
فالمنغمسُ في الحرام ما ضرَّ إلا نفسه، ولن يضرَّ الله شيئاً، كم من إثمٍ وعارٍ سيلحقُ أولئك المسؤولين المتصارعين على السلطة! الذين تركوا بلادهم تغرق في وَحْلِ الفساد، وتركوا شعوبهم يعانون الويلات! من تردٍّ في الخدمات، وضياع للحقوق! وتأخّر وانحطاط للأخلاق وتدهور للأحوال على كافة الأصعدة؟!
فيا أيها المسلم الموقن بلقاء ربّه.. يا أيها المواطن المناضل في سبيل وطنه: احفظْ دينَك من الانحراف والزيغ، واثبُتْ على الحقِّ، واستمرَّ في سبيل الطاعة والنضال والنصرة لدين الله تعالى، والوقوف مع المستضعفين المظلومين، و(لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) مهما علا شأنُهُم وكَثُرَ مُناصرُوهم، تخندقْ واصطفَّ مع الحقِّ وأهلِهِ، (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) لا تناصرِ الظلمةَ وتركنْ إلى أهوائهم فتُحشرْ معهم (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النارُ)
واحمد اللهَ أنْ هداك لطريق الصوابَ، فلم تخضع للباطل وأهله، ولم تشاركْ في نهبِ مال الدولة، ولم تتمسك بمنصب على حساب ضياع بلادك، ولم تتورط في قتل نفس مؤمنة بغير وجه حقٍّ.
فكم رأينا الكثير من المتشدقين بالوطنية! والمنظِّرين باسم الوطن والقانون، وهم أكثر الناس فساداً وبُعداً عن الدين والوطنية! وفي مثلهم يقول الله تعالى: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ).
وليعلم المسلم المؤمن التقي أنَّ الهداية والتوفيق هي محض فضل الله تعالى، فإياك أن تغتر بذكائك أو حذقك أو تستنصر بجاهك أو بقبيلتك ومكانتك، بلْ سلِ اللهَ التَّوفيقَ والسَّدادَ (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَم وَرَحْمَتُهُ لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) فاللهم أصلح حالنا وبلادنا.
(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)