هل اقتربت نهاية الفصل الدموي؟ 

هل اقتربت نهاية الفصل الدموي؟ 

يونيو 16, 2022 - 12:05

عبدالله الكبير | كاتب

شكل ملتقى المكونات الاجتماعية لاقليم برقة المنعقد في سلوق يوم 12 يونيو الماضي تحديا حقيقيا لسلطة حفتر على الإقليم، لم ترفع في محيط الملتقى صوره، ولم يذكر هو أو جيشه في الكلمات أو البيان الختامي، وهذا يحدث لأول مرة منذ أن فرض نفسه وعائلته بالقوة والإرهاب، إذ كان من المعتاد أن يذكر بعبارات التقدير والولاء له في كل البيانات الصادرة عن أي تجمع أو ملتقى. بالنسبة لحفتر الأمر يتجاوز التحدي إلى التهديد الوجودي، فدعوة الملتقى الناس إلى الخروج والتظاهر، والإعلان عن برنامج متكامل يبدأ من تحريض الناس على النزول للميادين، والاحتجاج على سوء الأوضاع، والمطالبة بإجراء الانتخابات، وصولا إلى العصيان الكامل وشل حركة الدولة، والترتيب لعقد الملتقى الثاني في طرابلس، لهدم كل الحواجز بين شرق البلاد وغربها، من دون أن يكون لحفتر دور أو إشراف على هذا الحراك، يعني أن سلطته آخذة في التصدع، لذلك تحرك بسرعة داعيا إلى عقد ملتقى مضاد، ليتدراك هذا الصدع، ويوجه للداخل والخارج رسالة مفادها أن سلطته راسخة، وأن ولاء الأهالي له لم يتغير، ومن خرجوا على الملأ في سلوق لا امتداد شعبي لهم. الملاحظ أن الملتقى المضاد، شهد جرعة مضاعفة في عبارات التمجيد، خلال الكلمات التي ألقتها بعض الشخصيات، كما جرى تسفيه ملتقى سلوق والتقليل من شأنه، ونعت القائمين عليه بانعدام القيمة الاجتماعية، وهو ما لا يمكن تصديقه بالطبع، فلا يجرؤ أحد علي الخروج في ملتقى عام جاهرا بمطالب سياسية مخالفة لتوجه حفتر إلا ولديه حاضنة قبلية قوية يستند عليها، وحاول جلاوزته إجهاض الملتقى بالتضييق على منظميه، وقطع الكهرباء والاتصالات عنهم، ومنعهم من نصب السرادق قرب ضريح عمر المختار. وهذا أقصى ما بوسعهم فعله، فأي إجراءات قمعية قد تفجر موجة احتجاجات كبيرة، لا أحد يضمن عدم تحولها إلى انتفاضة شاملة. 


حين شرع حفتر في نسج تحالفاته الأخيرة، واستقبال بعض قيادات مصراتة. كان المتوقع هو حدوث شرخ عميق في تحالفات المنطقة الغربية، وصولا إلى حالة الصراع لينهك الجميع، ويحقق حفتر والطرف التابع له في البرلمان المزيد من النقاط في المواجهة السياسية. ولأن الصراع مايزال متكافئا إلى حد كبير، والصورة في الغرب هي انعكاس مباشر لما يجري في الشرق، والعكس بالعكس، لذا فإن بذرة الانقسام التي زرعها حفتر وعقيلة في الغرب، ولم تنمو وفق المأمول وتطرح ثمارها. ستنمو بنفس المستوى في شرق البلاد بعد بيان سلوق، فالانقسام لم يعد عموديا فحسب، بل بات افقيا، وتدريجيا سوف ينحسر البعد الجهوي في الصراع.

 
بيان سلوق دعا بكل وضوح إلى وحدة الوطن، وتردد صدى هذه الدعوات بقوة في المنطقة الغربية، ما سيعزز التقارب بين كل المطالبين بإنهاء الانقسام، والتوحد خلف مطلب مشترك، هو الاطاحة بكل الكيانات الحالية، وإجراء الانتخابات، ويعزل من يعمل ويسعى لاستمرار الانقسام والتفكك، ليظهر الاصطفاف جليا بين أغلبية مناصرة للتغيير ورافضة للتمديد، وأقلية تسعى للحفاظ على امتيازاتها، بالعمل على استمرار حالة التفكك والانقساَم وعدم الاستقرار.


موعد آخر منتظر بعد أيام سيزيد من ضعف حفتر، ويضعه أمام تحد آخر لاقبل له بتعطيله، وهو تأكيد حكم محكمة شمال فرجينيا بادانته بارتكاب جرائم حرب، ومطالبته بتعويض الضحايا. من أولى ثمرات هذا الحكم إذا صدر هو تأكيد حيازة حفتر للجنسية الامريكية، ما يعني انعدام فرصته في الترشح للانتخابات، والعزلة التي ستفرض عليه دوليا، إذ سيكون من المتعذر علي المسؤولين الدوليين زيارته أو استقباله بشكل معلن، كما أن الحكم في حالة صدوره سيفتح الطريق أمام رفع دعاوى جنائية، والحكم في القضية المدنية سيعزز من فرص ادانته جنائيا، وإزاء كل هذه التطورات المحتملة تضيق الخيارات أمام معسكره. وحديثه غير المعهود في خطاباته الأخيرة عن رغبته في السلام، والانحياز لخيارات الشعب ربما لن تسعفه ليستعيد نفوذه القديم، أو تزيل صورته كأمير حرب كان له النصيب الأكبر في شيوع العنف والإرهاب. 


 كل هذه التطورات البطيئة حتى الآن قد تدفع إلى تسارعها الأيام والأسابيع المقبلة، بسبب نهاية مدة خارطة طريق تونس جنيف، وتطورات الصراع الدولي في أوكرانيا، وارتفاع أسعار النفط، والتوتر في بحر الصين الجنوبي حول تايوان، والتحالف الأمريكي الخليجي المرتقب ضد إيران، فلن تترك الدول الغربية هذه المساحة الشاسعة الغنية بموارد الطاقة، في خاصرتهم الجنوبية، متاحة لخصوم يجيدون التمدد في كل الفراغات. لقد عودتنا الأحداث المفصلية في التاريخ على سقوط عدة رؤوس عجزت عن التكيف مع التطورات الكبرى، ولم تنجح في اجتياز اختبارات المرحلة الجديدة. فهل اقتربت نهاية هذا الفصل الدموي في ليبيا؟

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)