مقومات نجاح وفشل الحراك

مقومات نجاح وفشل الحراك

يوليو 05, 2022 - 10:46

بقلم الكاتب| عبدالله الكبير

 من لا يحسن قراءة الواقع الممتد مع ماض قريب، نسغه مايزال يصعد من جذور هذا الماضي إلى سيقان وأوراق الحاضر، ستأخذه المفاجأة بانفجار المظاهرات العنيفة في أركان البلاد الأربعة في مستهل يوليو، رغم التحضير والدعوة لها عبر وسائل التواصل منذ أيام، وسيقدم تفسيرا تقليديا يوازي حالة إنكاره لها. مؤامرة خارجية بأدوات محلية. أطراف سياسية تسعى للنيل من خصومها باستغلال معاناة الناس. مأجورن يريدون التخريب وزعزعة الاستقرار. وتمتد لائحة الاتهامات الطويلة، إلى حد وصف المتظاهرين بعملاء المخابرات الأجنبية.

هذا ديدن كل سلطة غير شرعية، أو فقدت شرعيتها، تعلنه مباشرة أو عبر أبواقها وأذرعها الإعلامية، في بداية مواجهتها للموجة الأولى من الاحتجاجات، معلنة بذلك أنها تأبى المغادرة طوعا، ولن تفسح الطريق لحراك التغيير السلمي، لينزلق الصراع إلى ساحات العنف.

 الطريق الآخر لمن استوعب الدروس هو تجنب مصادمة الشباب الغاضب، وركوب موجة التغيير، وادعاء مناصرتها وتأييدها، وكأنه ليس هو المقصود بها، أو أن هناك استثناء يخصه وحده دون بقية السلطات، لذلك رفعت مظاهرات الحراك اللبناني في اليوم التالي شعار " كلن يعني كلن"، ردا على خطاب أحد الزعماء أعلن فيه تأييد الحراك مانحا لنفسه وحزبه استثناء من مطلب الرحيل.

 إسقاط جميع الكيانات والشخصيات المتصدرة والمؤثرة في المشهد السياسي، هو المطلب الواضح، والشعار الصريح في كل المظاهرات، لا استثناء لأحد، بل قصمت علامة الرفض باللون الاحمر وجوه كل متصدري المشهد السياسي، وكالعادة نأى حفتر بنفسه وبمليشياته عن المظاهرات، وكأنه غير مقصود بها، فأصدر بيانا أعلن فيه تأييد الحراك، ما اضطر شباب المظاهرات إلى الرد بنشر مشاهد حرق صور حفتر في اكثر من مدينة.

 حراك الجمعة الماضية بدأ قويا، وأحدث هزة قوية لحالة الانسداد السائدة، مبشرا أن الصيف سيكون طويلا وحارقا للطبقة السياسية، وقد حطم من الجولة الأولى الصراع بين الحكومتين، بلغة واضحة. كلاكما عليه أن يتأهب للرحيل، واسقط ادعاء رئيس وأعضاء مجلس النواب أنهم منتخبون ويمثلون الشعب، ووضع المجلس الرئاسي أمام اختبار حقيقي، فشل حتى الآن في التعاطي بإيجابية معه، ومنح فرصة كبيرة للأطراف الدولية لتمارس المزيد من الضغط لإجراء الانتخابات. 

 بعض الأحداث المصاحبة للاحتجاجات كأعراض جانبية، مثل حرق مقرات حكومية غير معنية بالصراع السياسي لأن وظيفتها خدمية، وقفل الطرقات، والدعوة لتعطيل المؤسسات والمرافق والقطاعات الخدمية، كالمطارات والمؤانئ والمصارف، تؤكد استعداد بعض الأطراف السياسية لاختراق الحراك، والعمل على إفشاله، تحقيقا لأهداف مختلفة حسب تعدد الجهات التي تقف خلف هذه العمليات التخريبية. وهذا ما يفرض على قادة الحراك تنظيم أنفسهم بشكل جيد، وإخطار كل المتظاهرين بماهو مسموح أو غير مسموح به في المظاهرات، والتعاون مع المؤسسات الأمنية ضد أي تجاوز، والظهور على وسائل الإعلام المختلفة، للتعليق اليومي على كل التطورات، واصدار البيانات عند أي تطور يستدعي توضيح الموقف. 

 من الصعب التكهن بمصير ومآلات حراك الأول من يوليو، فقد يمضي صاعدا بزخم متنام، حتى يحقق أهدافه ويفرض واقعا جديدا يمهد للانتخابات، وربما تنجح بعض الجهات في افساده، وقد تطرح الأطراف المتصارعة خلافاتها جانبا، و تتحالف لإجهاضه. ولكن المؤكد أن مرحلة مابعد انطلاق الحراك ستكون مختلفة عن المرحلة السابقة. 

 

(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)