أوروبا تستعيد أحقاد القرون الوسطى

أوروبا تستعيد أحقاد القرون الوسطى

نوفمبر 26, 2022 - 11:12

بقلم الكاتب/ عبدالله الكبير

عبدالله الكبير

تنظيم كأس العالم في بلد عربي مسلم فجر أحقاد القرون الوسطى الأوربية ضد المنطقة العربية الإسلامية، فانطلقت الحملات الإعلامية مستخفة بقطر، ومشككة في قدراتها على التنظيم، وروجت أرقام غير حقيقية عن الوفيات بين عمال بناء منشآت كأس العالم، ومسح الكتاب والصحفيون الغبار عن أدراج مكاتبهم وسحبوا منها تقارير حقوق الإنسان ليطلعوا على السجل القطري، لم يظهر هذا الحرص على حقوق الإنسان قبل أربع سنوات، حين كانت روسيا هي البلد المنظم، وقد أكمل الروس للتو غزوهم لجزيرة القرم، وغسل رجال المخابرات الروس أيديهم من آثار السم الذي فتك بالمعارضين الروس في بعض الدول الغربية، فيما استأنفت مقاتلاتهم قصف البشر والحجر في سوريا. 

 كل هذا الإجرام لم يحرك كبريات الصحف والقنوات المرئية في بريطانيا والمانيا وفرنسا، فتصوب سهام نقدها على الحكومة الروسية، أو الفيفا على قبوله تنظيم البطولة هناك، ولم تشن حملة إعلامية تفضح الاستبداد والعدوان والفتك بالمعارضين، بينما تفعل ذلك بشكل ممنهج ومقصود، بالأكاذيب والتزوير والمبالغة ضد قطر. 

  يستكثر الغربيون على دولة عربية مسلمة النجاح في تنظيم بطولة عالمية كبرى، يتداعى لها الناس من كل الأصقاع، ويتابعها مئات الملايين عبر الشاشات، ما سيدفع هذه الأعداد الهائلة إلى إعادة التفكير في الصور النمطية، التي كرسها هذا الإعلام عن همجية العرب والمسلمين، وانحطاطهم، وفشلهم المستدام.

 المناسبة الكبيرة، والنجاح الضخم في الافتتاح، دفع بعض المعلقين إلى اتهام قطر بدفع رشاوى مقابل الظفر بالتنظيم قبل عشر سنوات، من دون أدلة قاطعة أو حتى قرائن وشبهات، وهم يعرفون أن كل اجراءات الفوز بالتنظيم، من الإعلان عن الرغبة، وتقديم الملفات، والدراسة والزيارات والتقييم، إلى نهاية القرعة، تجرى عبر مؤسسة الفيفا التي يقع مقرها في دولة أوربية، تطبق أعلي معايير الشفافية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية بسطوتها ونفوذها كانت المنافس الأبرز على تنظيم البطولة. 

تسفر الازدواجية عن وجهها هنا بشكل فاضح، فالأصوات العالية اليوم تنديدا برشوة محتملة، صمتت على رشوة معلنة من طغاة الأرض للحكومات الغربية، في صفقات السلاح، مقابل منحهم شرعية الفتك بشعوبهَم، بمصادرة الحريات والقمع والسجون والقتل، ومتى أطلت الأزمات الاقتصادية برأسها سارعت هذه الحكومات إلى ابتزازهم برسالة واضحة، إما أن تبرم صفقة شراء أسلحة أو سنفتح ملفات السجون وكافة الانتهاكات. 

حقوق الإنسان غير قابلة للتفاوض حسب بيان صادر عن الاتحاد الألماني، تعليقا على الصورة الرسمية للمنتخب الألماني قبل مباراته مع اليابان، إذ وضع اللاعبون أيديهم على أفواههم، كإشارة إلى احتجاجهم على منعهم من حمل شارة المثليين، فيما تحايلت وزيرة الداخلية الألمانية في مدرجات الملعب، وخلعت معطفها لتظهر شارة المثليين على ذراعها، بجوار رئيس الفيفا، في انتهاك واضح لقانون الدولة التي تستضيفها، وهي وزيرة تقود وزارة مهمتها الأساسية هي الحرص على تنفيذ القوانين! 

ثمة اختلال غريب في مفهوم حقوق الإنسان لدى الغربيين، فمساندة حكوماتهم للطغاة الذين يفتكون بشعبوهم، وعنصرية الصهاينة، وعنفهم ضد المستضعفين في فلسطين، وتنكيل الحكومة الصينية بطائفة الإيغور، وعنف الهندوس ضد المسلمين في الهند، لا شأن لحقوق الإنسان بها، أما الترويج للإنحلال والتهتك الجنسي، وتشجيع ممارسات فاحشة ضد نواميس الطبيعة، وتأباها الفطرة الإنسانية السليمة، فهي حق أصيل من حقوق الإنسان، تستلزم أن يظهر المنتخب الألماني بهذا الشكل السخيف، وأن تتعمد وزيرة الداخلية خرق القانون مثل أي لص أو متشرد عابث. 

 لا ينبغى للذاكرة أن تنسى موقف نادي أرسنال، وهو يرفض مزج السياسة بالرياضة، تعليقا على تضامن اللاعب الألماني أوزيل مع الإيغور، ضد ما يتعرضون له من بطش وتنكيل على يد الحكومة الصينية، وسخط الألمان عليه بسبب صورته مع الرئيس التركي أردوغان، فالتضامن مع المضطدين موقف انساني رائع يستحق الثناء في الثقافة الغربية، بشرط أن يكون المضطهد، بفتح الهاء، غير مسلم، والصور مع الرؤساء لابأس بها اذا كانت مع رئيس دولة غير مسلمة، لا أتصور مطلقا أن الرأي العام الرياضي في ألمانيا سيتخذ موقفا مماثلا، إذا نشرت صورة للاعب ألماني من أصل أوربي أو أفريقي مع رئيس بلده الأصلي، لكنها رواسب الحقد التاريخي، وعقدة المركزية والاستعلاء الأوروبي، لذلك صدمهم رفض قطر الترويج للمثلية، والزامهم احترام عقائد وقوانين البلد المضيف.

 يصادر الغربيون حق الاختلاف والتنوع، ولا يرون قيما حضارية وثقافية وأخلاقية تعارض قيمهم، فأوروبا هي الحديقة وباقي العالم غابة، كما يري جوزيب بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، ومن ثم يتعين على البرابرة الهمج في الأدغال أن لا يحيدوا عن قيم وأخلاق أهل الحديقة، وتمتد هذه المصادرة إلى التاريخ، إذ يسجل برتراند رسل أحد أكبر فلاسفة الغرب في كتاب يؤرخ فيه للفلسفة الغربية، انبثاق المدنية اليونانية بشكل مفاجئ يتعذر تعليله. " لن تجد في التاريخ كله مايثير الدهشة أو مايتعذر تعليله أكثر مايدهشك ويتعذر عليك تعليله الظهور المفاجئ للمدنية اليونانية" وبهذا الحكم يشطب رسل أي مؤثرات للحضارات الشرقية القديمة، الفرعونية والسومرية والفنيقية، التي سبقت صعود اليونان، ورفض فلاسفة آخرون قبله أي اسهامات للفلاسفة المسلمين في مسيرة الحضارة، ولم يعترفوا لهم إلا بحفظ الفلسفة اليونانية، من دون أي إضافة أو تطوير، ومن ثم لا غرابة في صدور هذه المواقف الأوربية العدائية ضد بلد صغير، دخل في منافسة معهم، وحقق نجاحا باهرا في تنظيم بطولة عالمية بحجم المونديال، فقط لأنه بلد عربي ومسلم.