التحرك الأمريكي وتداعياته المحتملة 

التحرك الأمريكي وتداعياته المحتملة 

يناير 26, 2023 - 10:55

عبدالله الكبير | كاتب صحفي

الاهتمام الأمريكي المتنامي بالأزمة الليبية يرتبط بشكل مباشر بتطورات الحرب في أوكرانيا، فاشتداد أوار الحرب، والتقدم الذي تحرزه القوات الروسية هذه الأسابيع، رفع درجة الاهتماَم الأمريكي بليبيا إلى مستوى جديد، كانت أبرز مظاهره زيارة مدير وكالة المخابرات الأمريكية وليام بيرنز لطرابلس وبنغازي في 12 يناير الماضي، أعقبها لقاء القائم بالأعمال الأمريكي في ليبيا ليزلي أوردمان، صحبة نائب قائد القوات الجوية الأمريكية في أفريكوم الجنرال جون دي مونتاني مع خليفة حفتر، ثم لقاء أوردمان بعقيلة صالح رئيس مجلس النواب في طبرق، وحضور شخصيات أمنية وسياسية أمريكية لاجتماع اللجنة العسكرية 5+5 الأخير في سرت، بحضور المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي. 

أعاد هذا التحرك الأمريكي الأزمة الليبية إلى واجهة الأخبار، وأنهى حالة الجمود محليا وأقليميا، إذ استشعر فرقاء الأزمة وحلفائهم، أن واشنطون ماضية حتى آخر الشوط في أحداث التغيير السياسي المطلوب لحماية مصالحها ومصالح حلفائها، وهذا يستلزم عزل مجموعات فاغنر في ليبيا، ومنعهم من تهديد أوروبا أو إرباك سوق الطاقة باستخدام ورقة النفط الليبي. 

التسوية السياسية بين فرقاء الأزمة للتوافق على الإجراءات القانونية اللازمة لإنجاز الانتخابات كانت ولم تزل هدفا أمريكا، وخلال العامين الماضيين كان السفير والمبعوث الأمريكي الخاص ريتشارد نورلاند يتولى متابعة التطورات في هذا الملف، من دون نتائج ملموسة بإستثناء الحفاظ على مستوى الصراع في حده الأدنى، وتجنب العودة إلى المواجهات العسكرية. 

لكن هذا التحول في الاهتمام الأمريكي، بزيارة مسؤول أمني رفيع ودبلوماسي سابق تقلد العديد من الوظائف، ولديه خبرة واسعة بالملف الليبي، واعتماد إدارة الرئيس بايدن عليه في الكثير من  المهام الصعبة عبر العالم، يعني أن ثمة تهديد محتمل للأمن القومي الأمريكي وأمن الحلفاء الأوربيون يبزغ من البوابة الليبية، يحتاج إلى ماهو أبعد من إنهاء حالة الانقسام، وتوحيد البلاد سياسيا عبر الانتخابات لتجديد شرعية البرلمان وتشكيل حكومة موحدة. 

عودة اللجنة العسكرية إلى استئناف اجتماعاتها بعد انقطاع دام لنحو أربعة أشهر، ودعمها من الأمم المتحدة وبعض القوى الدولية، يؤكد أن ثمة عزم على تتويج جهود اللجنة بتشكيل وحدات عسكرية من الشرق والغرب، تكون نواة لتوحيد المؤسسة العسكرية، وتتولى حماية الحقول والآبار، وربما المواجهة العسكرية مع مجموعات فاغنر إذا اقتضت الضرورة، مع تقديم أمريكا وحلفاؤها الدعم اللازم لها، على غرار مواجهات قوات البنيان الموصوص مع تنظيم داعش عام 2016، وهذا السيناريو سيحول ليبيا إلى ساحة صراع أخرى بين روسيا والدول الغربية.

ورغم تأكيد التقارير الصحفية تعليقا على زيارة بيرنز على عزم الإدارة الأمريكية تحجيم نفوذ فاغنر، ومن ورائها روسيا في ليبيا، إلا أن احتمال تصاعد المواجهة إلى حد الصدام العسكري لا يبدو قويا، نظرا لتركز الجهود العسكرية في أوكرانيا باعتبارها الساحة الرئيسية للصراع، كما أن نحو نصف عناصر فاغنر تم سحبهم من ليبيا، والدفع بهم في خطوط المواجهة في الحرب الأوكرانية، وما تبقى منهم لا يمكنهم الصمود طويلا، خاصة إذا قطعت عنهم الإمدادات التي كانوا يحصلون عليها من قوات خليفة حفتر، فبعد تنصيف مجموعات فاغنر كمنظمة إجرامية، وفرض عقوبات عليها من الحكومة الأمريكية، سيتعين على حفتر التوقف عن التعامل معهم باعتباره حامل للجنسية الأمريكية، لذلك فالأرجح هو تنفيذ بعض الإجراءات التي تحد من حركتهم، وتنهي أي تهديد محتمل لهم على التحول السياسي المرتقب، أو على إنتاج وتدفق النفط.

الاستجابة الإقليمية للحراك الأمريكي جاءت سريعة باجتماع رئيس المخابرات المصرية ومسؤول الملف الليبي عباس كامل، مع عقيلة صالح والمنفي، لتسوية أي خلافات بينهم والاستعداد للتطورات المقبلة، فيما اجتمع رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان مع قيادات المنطقة الغربية الدبيبة والمشري واللافي والكبير، في صورة تعكس بوضوح العودة السريعة في خارطة التحالفات المحلية، إلى الأساس الجهوي بفعل التنافس المصري التركي في ليبيا.

تداعيات التحركات الأمريكية سوف تستمر في التطور علي كافة المستويات، مع بداية الاعداد للبديل عن مجلسي النواب والدولة، في النهوض بمهمة توفير الأساس القانوني للانتخابات، فالكيانات والشخصيات السياسية المحلية لا نية لديها في مغادرة المشهد، والدول المنخرطة في الصراع ستسعى للحفاظ على مكاسبها، والسباق نحو حجز موقع في المرحلة القادمة انطلق مبكرا، حيث تشير التوقعات إلى توافق دولي على تجاوز مجلسي النواب والدولة بعد اخفاقهما المتكرر، وشروع البعثة الأممية في التحضير لملتقى حوار سياسي جديد، يتولى وضع قاعدة دستورية وقوانين انتخابية، بانتظار الإعلان عنه خلال احاطة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي في جلسة مجلس الأمن منتصف الشهر المقبل.

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)