معارك الخرطوم.. تداعيات وعبر

معارك الخرطوم.. تداعيات وعبر

أبريل 30, 2023 - 22:03

يوسف كبلان| كاتب في الشأن الليبي

تشهد العاصمة السودانية اشتباكات ضارية اندلعت يوم 15 أبريل عقب مهاجمة قوات الدعم السريع التابعة لمحمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي" لمقرات ومواقع مهمة تابعة للجيش السوداني بقيادة "عبد الفتاح برهان".

تأتي الاشتباكات بعد عدة أشهر من توقيع الاتفاق الإطاري بين الجهات العسكرية والمدنية الفاعلة بالمشهد، وقد تضمن الاتفاق عدة بنود كان أبرزها دمج قوات الدعم السريع ضمن قوات الجيش النظامية، وهو ما أشعل خلافا في الأوساط العسكرية قاد إلى الاقتتال الحالي.

تفجر الخلاف لم يأت بشكل مفاجئ، حيث شهدت الأشهر القليلة الماضية توترا أمنيا دفع الطرفين لحشد قواتهما في الخرطوم، كما سبقت الاشتباكات تحركات دبلوماسية مهمة من أطراف ضالعة في المشهد، حيث أجرى رئيس الإمارات محمد بن زايد –الذي يعد أكبر داعم لحميدتي- زيارة مفاجئة للقاهرة قبل اندلاع الاشتباكات بيومين لبحث التطورات في السودان.

تلعب التدخلات الخارجية والخصومات الدولية والإقليمية دورا أساسيا في تحريك المشهد السوداني، حيث تدعم دول الخليج المتنافسة أطرافا مختلفة، ففي حين تدعم الرياض الجيش بقيادة برهان، تدعم أبو ظبي قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، كما تلعب مصر دورا أساسيا في دعم جنرالات الجيش لأسباب عدة أبرزها علاقة حميدتي بإثيوبيا وتفضيل القاهرة التعامل مع المؤسسة العسكرية السودانية.

وتأتي علاقة حميدتي بموسكو على رأس الأسباب المحركة للصراع في المشهد الحالي، ففي ظل سعي الولايات المتحدة لتحجيم نفوذ موسكو وملاحقة مجموعة فاغنر بات تعاون حميدتي معها في السودان وخارجها يشكل تحديا للمصالح السياسية الأمريكية في المنطقة، وقد كشفت مصادر استخبارية عن حضور ملف تعاون حميدتي مع مجموعة فاغنر على طاولة رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "ويليام بيرنز" منذ شهر فبراير الماضي، ويأتي ذلك في سياق الاهتمام الأمريكي المتزايد بالحضور الروسي في القارة خاصة في السودان وليبيا حيث تشكلان قواعد انطلاق ونقاط عبور مهمة لمجموعة الفاغنر.

 ليبيا في عين العاصفة:

التطورات الأخيرة في السودان سيكون لها تداعياتها المباشرة على ليبيا، وذلك لحضور ملف الفاغنر وسط الأحداث الجارية، حيث ستسعى المجموعة الروسية لاستثمار حضورها القوي في ليبيا وأفريقيا الوسطى لتعزيز موقف حليفها في السودان، بالإضافة لحضور أبو ظبي التي لعبت دور حلقة الوصل سابقا بين حفتر وحميدتي وباقي حركات التمرد السودانية والتي تملك مصالح تجارية وسياسية مشتركة مع حميدتي والفاغنر في السودان.

وتعمل ليبيا كمنطقة عبور ونقطة إمداد لوجستي مهمة لعمليات الفاغنر في أفريقيا، حيث تستخدم القواعد والمطارات شرق البلاد وجنوبها كمحطات عبور لإرسال الإمدادات العسكرية والمقاتلين وتهريب الذهب وغير ذلك من عمليات، ويؤكد  كل من تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" الذي كشف عن وصول إمدادات عسكرية لقوات الدعم السريع عبر طائرات عسكرية قادمة من ليبيا وصور الأقمار الصناعية التي بثتها "سي إن إن" والتي توضح استخدام الفاغنر للقواعد الليبية الجوية لنقل السلاح ، التخمينات حول توظيف كل من أبو ظبي وموسكو لحفتر والأراضي الليبية في النزاع السوداني.

بالإضافة لجهود موسكو وأبو ظبي لدعم حليفهما السوداني، فإن مساعي واشنطن لتكوين قوة أمنية ليبية مشتركة بين الأطراف العسكرية المتنازعة لتأمين الحقول النفطية والحدود الجنوبية الواقعة ضمن مجال سيطرة مجموعة الفاغنر، الأمر الذي يضع ليبيا في عين العاصفة.

مكامن الخلل:

محاولات دفع عجلة الاتفاق الإطاري لجمع الفاعلين العسكريين في المشهد السوداني والتي أسفرت عن تفجر النزاع الحالي، تعيد للأذهان الجهود الدولية لتوحيد الأطراف العسكرية المتصارعة في ليبيا، حيث تعمل البعثة الأممية برعاية أمريكية على صياغة تفاهم بين القوى العسكرية المتنازعة لدمجها في مؤسسة عسكرية واحدة.

تكشف تجربة الاتفاق الإطاري عن مكامن الخلل في هذا النوع من التفاهمات، فتجارب دمج الأطراف المتشاكسة في الدول المضطربة، التي تبشر بها البعثات الدبلوماسية الغربية، غالبا ما تؤول إلى الفشل الذريع، وقد سبق تجربة الاتفاق الإطاري في السودان اتفاقيات أخرى مثل اتفاق جوبا للسلام 2020 واتفاق نيفاشا 2005، ويعود ذلك لعدة أسباب، أهمها: فساد بنية هذه الاتفاقيات ومعاقدها، حيث تتجاوز هذه الاتفاقيات مسببات الانقسام والأزمة الفعلية باحثة عن تفاهمات شكلية سريعة تخدم أطرافا خارجية وأخرى داخلية على حساب المصلحة الوطنية، وهو ما يعقد الأزمة ويطيل عمرها.

في الحالة الليبية فإن ما يعرف بجهود توحيد المؤسسة العسكرية التي تشرف عليها البعثة الأممية بتوجيه أمريكي، هدفه إنشاء ظرف أمني وسياسي مؤقت يعزز من فرص واشنطن في تقويض التواجد الروسي في البلاد والمنطقة، وإحداث استقرار نسبي يعالج مشاكل أوروبا الكبرى، كحركة الهجرة غير الشرعية وإمدادات الطاقة، وهي أوراق تسعى موسكو للسيطرة عليها لتوظيفها في صراعها مع أوروبا والولايات المتحدة.

أخيرا فإن تجارب الحوار السياسي ودمج المجموعات المسلحة في الدول الفاقدة للسيادة والتي تعاني من عطب آلة الدولة وفساد العقد الاجتماعي لا ينتج عنها إصلاحات وموائمات حقيقية تخدم الصالح العام، وتنحرف فيها عمليات التفاوض السياسي لمسارات موازية تخدم مصالح فردية وأجنبية.

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتابها)