ثم عاد الجنرال: لصناعة الموت أم للسلام؟

ثم عاد الجنرال: لصناعة الموت أم للسلام؟

أبريل 28, 2018 - 15:45

بقلم: عبد الرزاق العرادي

كاتب سياسي

قال الجنرال خليفة_حفتر عند عودته إلى بنغازي؛ "تعبتوا في جرتنا، لكن المهم في النتيجة". هذه الخلاصة التي قدمها حفتر يمكن أن تكون خلاصة حكيمة لتأسيس شيء صحيح، ولو لمرة واحدة في ليبيا. لقد تعب الليبيون في سبيل كل شيء حتى الآن، وتعبوا أكثر ما تعبوا في سبيل المستقبل.. ولكن النتيجة لحد الساعة هو ما تشاهدونه.

ارتباط حياة جزء أساسي من الليبيين بفرد؛ إذا عاش استمرت حياتهم على النحو الذي يريده هو، وإن مات أو مرض اعتلت حياتهم بقدر مرضه واعتلاله. لقد عاش الشرق الليبي خلال أسبوعين غاب فيهما حفتر عن الواجهة، أو غيب، بدون بوصلة، ولا هدي.

لقد عاش الشرق على كف عفريت، وخيم عليه شبح الحرب الأهلية، وظهر أن مصيره رهن القوتين الإقليمتين اللتين تزودان حفتر بآلة القتل، وتشيران عليه، أو تأمرانه، بمزيد من القتل، ترسمان له المشهد وتخرجانه له.

وعاد حفتر أو أعيد، ليعيد من يرتهن بيده من الليبيين إلى حظيرة الطاعة، ويمن عليهم بأنه عاد ليستعبدهم. وأنه عاد ليكون السيد المتفرد الذي في غيابه، سيغرق كل المركب، وستنتهي الحياة بغيابه.

دولة العسكر .. التمثيل تدجيل

عاد ليقول لهم إن الانتخابات تمثيل، وهي الترجمة الحفترية لمقولة قائده القذافي: "التمثيل تدجيل". وأن ذلك يؤكد ما ذكره حفتر للمبعوث الأمريكي جوناثان وينر، حين قال له حفتر أنه سيسطوا على السلطة بالقوة، وسيعين حكام عسكريين، كما فعل في الشرق الليبي، وأنه سيسقط الإعلان الدستوري ويحكم بمرسوم. سيقضي على كل خصومه بالنفي أو السجن أو القتل، ويفضل القتل كما ذكر للسيد وينر، أي سيسن قانون الغاب الذي سيذهب ضحيته أيضاً، النخبة البائسة التي تؤيده وتلعق بيادته الآن.

ليس من حقكم...

مرض حفتر ليكتشف أتباعه ومؤيدوه أنه ليس من حقهم أن يعرفوا أنه يمرض، أو أنه يمكن أن يمرض، وعاد ليعرفوا أنه ليس من حقهم أن يعرفوا إلا ما يريد لهم أن يعرفوا. وتأكد من كل هذا أن الدكتاتور الفرد يحكم الناس بتجهيلهم واللعب بعواطفهم، وأنهم يجب أن يبقوا على حالهم حتى يبقى الفرد يحكمهم. وأن يجهلوا كل شيء حتى مصير الزعيم الفرد.

ولكن هذه الأزمة التي مر بها حفتر بينت ولمن يعنيهم الأمر يجب أن يفهموه وأن يقفوا عنده. ما أتمناه هو أن يقف عنده حفتر نفسه، كما وقف عنده #ألفريد_نوبل فخلد اسمه مرتبطا بالأدب والعلم والسلام.

قياس في جانب العودة من الموت

استطاع ألفريد نوبل أن يخترع آلية علمية للتحكم في مادة متفجرة اكتشفها كيمياوي إيطالي ولم يستطع التحكم فيها، فقام ألفرد ووالده بتطويرها، وأثرى من هذا الاختراع الذي سجله تحت اسم "الديناميت". وتعددت استخدامات الديناميت للأغراض الحربية والسلمية.. لكنه ارتبط في الأذهان بالحرب والموت.

مات شقيق ألفريد فظنت الصحافة أنه هو الذي مات وانتشر الخبر فامتلأت المنابر سبا ولعنا لهذا "القاتل" المفجر، فاستفاق ألفريد إلى اللعنة التي ستلحقه عندما يموت، وعرف كيف ستكون صورته، فأنشأ مؤسسة تبرع لها بكل ثروته، وأصبحت توزع الجوائز السنوية على المتميزين في الطب والأدب والعلوم وصناع السلام.

هدية الأقدار التي تلقفها نوبل بحنكة وذكاء، فأنتجت له هذا الذكر الحسن، قد تكررت مع حفتر، بالرغم من أن القياس مع الفارق، فكيف سيكون تعامل حفتر معها؟

رحيل.. حفتر

من هذا الباب كتبت مقالي "حفتر: ما الذي سيحدث بعد رحيلك" وذلك بناء على ما نشره وأصر على نشره أتباعه، طبقا للمخرج، ومرروها بدهاء إلى شخصيات رفيعة المستوى، على سبيل المثال مصدر بالسفارة الليبية بباريس مررها للمجلس الرئاسي ولمجلس الأعلى للدولة ولرؤسائهما، وآخرين أظن أن من بينهم عقيلة صالح ذاته، وأعلمهم بالحالة الحرجة التي آل إليها حفتر ثم أخبرهم بوفاته.

ثم جاء تصريح الدكتور غسان سلامة بأنه تحدث مع حفتر، ليدحض هذه الإشاعة ولكن أتباعه استمروا في اللعبة بغية تحقيق أهدافها.

ماذا قلت لحفتر في هذه المقالة؟

قلت لحفتر إن مؤيديك قالوا إنك تحولت إلى نظام بكامله، وانهياره سيؤدي إلى كارثة وستحدث انشقاقات عسكرية واسعة، بسبب من سيخلفك، وبالفعل بدأت شرارات هذا الانشقاق والاقتتال.

قلت أيضاً، لم يستطع لا عقيلة ولا الثني الحديث عن مرضك أو مكان وجودك وتركوا الشعب في المنطقة الشرقية ضحية للإشاعات. لقد كان غيابك أشبه بما يحدث أيام القذافي وكأنكما خريجي مدرسة واحدة عن سبق إصرار وترصد. لماذا تحرص كما حرص القذافي على أن تكون البلاد بك ومن بعدك الطوفان؟

قلت إن القضية ليست في القذافي ولا في حفتر، ولا ينتهي الطغيان بانتهائهما ولكن القضية في عشاق الدكتاتورية الذين يرون أنها ملجؤهم وأمانهم، وفي النخب البائسة التي طالما تحدثت عن الدولة المدنية ثم نكصت على عقبيها.

قلت إن الحل في بناء دولة دستور ودولة قانون ودولة مؤسسات يحكم الحاكم بالقانون ويحاكم به.

قلت لحفتر سعدت درنة برحيلك، وفرح المهجرون وباتوا يحلمون بالعودة، فرح الأيتام والأرامل، وفرح الثوار الذين حاربتهم باسم الإرهاب. أظهروا الفرحة على شبكات التواصل الاجتماعي ووزعوا الحلويات وذبحوا القرابين، أظهروا الشماتة والتشفي وحمدوا الله على رحيلك.

ثم عاد حفتر..

واليوم وقد عدت إلى بنغازي فهل سترجع إلى صناعة الموت؟ قلت لك إن لم ترحل اليوم فسترحل غدا مهما تعددت الأسباب والطريقة التي تفضي بها إلى ربك.

هل ستسارع إلى فك الحصار عن #درنة أم تدمرها كما فعلت ببنغازي؟ هل ستدعو إلى المصالحة ولم الشمل وتوحيد المؤسسات أم ستستمر في مشروعك الانقلابي؟ هل ستنصاع إلى السلطة المدنية أم تسعى لجعلها تحت إمرتك كما فعلت بعقيلة والثني؟ هل ستجبر الضرر وتمد يدك إلى خصومك؟ أم ستستمر في مد سلاحك لهم وأنت على أعتاب الآخرة ولو بعد حين؟.

وختاما هل ستهتدي بقول ربنا "رب ارجعون" أم ينطبق عليك قوله سبحانه " ولو ردوا لعادوا". والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.