ميزانية تكريس الانقسام

ميزانية تكريس الانقسام

يوليو 13, 2024 - 12:20

بقلم/عبدالله الكبير

مثلما فعل في مرات عديدة سابقة، تجاوز مجلس النواب الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، وأصدر قانون الميزانية لهذا العام 2024، بعد إضافة قرابة 89 مليار دينار على المبلغ الذي قرره في القانون السابق، ليصبح الرقم الإجمالي نحو 188 مليار دينار، وبذلك يكون المبلغ المرصود للميزانية هو الأكبر في تاريخ البلاد.

الإعلان الدستوري يشترط موافقة 120 نائبا على قانون الميزانية، وعدد من حضروا جلسة التصويت لم يصل إلى الخمسين، وتهرب النواب الذين حضروا الجلسة، من الإجابة بوضوح على سؤال طرح عليهم في مشاركاتهم الإعلامية. كم عدد النواب الذين شاركوا في التصويت؟

وكالعادة تم تجاوز المجلس الأعلى للدولة، الشريك لمجلس النواب في كل ما يتعلق بالميزانية، وقوانين الانتخابات، والمناصب السيادية، واختيار رئيس الحكومة، وسحب الثقة من الحكومة، حسب الاتفاق السياسي الذي يحكم المرحلة. لذلك كان من الطبيعي أن يعلن رئيس مجلس النواب عن رفضه للقانون، وتعليق مشاركته في الاجتماع الذي دعت إليه رئاسة الجامعة العربية مع رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الرئاسي.

اللقاء المعلن بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير في القاهرة، قبل جلسة مجلس النواب واقرار الميزانية، وما صرح به بعض أعضاء مجلس النواب عبر الفضائيات، عن تأكيد المحافظ قدرة المصرف تغطية ميزانية تقدر بنحو 170 مليار دينار، يعني أن الموضوع جرى ترتيبه خلال الشهرين الماضيين، وأن ما يجري هذا الأسبوع هو الإعلان بشكل رسمي عبر مجلس النواب.

تداعيات قرار الميزانية على الاقتصاد الوطني الذي يعتمد على مصدر وحيد للدخل وهو إيرادات النفط، وعلى قيمة الدينار الليبي مقابل سلة العملات الأجنبية، فصل فيها خبراء الاقتصاد عبر وسائل الإعلام المختلفة، وقد حذروا من خطورة تنفيذ قانون الميزانية بهذا الرقم الضخم من الأموال، وما سينتج عنه من تضخم وعجز وهبوط في قيمة الدينار خاصة إذا انخفض سعر النفط في السوق العالمي.

أما على المستوى السياسي فالتداعيات أكثر خطورة. الميزانية ستقسم على الحكومتين، تتولى حكومة طرابلس صرف بند المرتبات والدعم لأن البيانات والأصول الخاصة بهما موجودة في دواوين الوزارات بطرابلس، وتقسم بقية البنود بين الحكومتين، وتصرف كل حكومة نصيبها من الميزانية في مناطق نفوذها.

وهكذا يتم تشريع الانقسام بمباركة دولية، لأن الأطراف الدولية المنخرطة في الأزمة لم تعلق على هذه التطورات رغم ما سببته من زيادة في التأزيم، وتعطيل لحوار سياسي توسطت فيه الجامعة العربية في مارس الماضي.

ولأن الأفق المنظور لا يحمل أي بشائر عن قرب الانتخابات، ما يعني استمرار سلطات الأمر الواقع شرقا وغربا، ومع تهدئة حدة الصراع بتقاسم الايرادات، ورضى كل طرف بما أصابه من الغنيمة، قد يمضي الانقسام في مسار التكريس حتى نصل إلى التقسيم الكامل.

(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)