النَّضْرُ بنُ الحارث ومهرجانات ليالي الصيف بين بنغازي وطرابلس
بقلم الكاتب والداعية| أسامة الصلابي
هو النضر بن الحارث بن علقمة القُرشي ،كان تاجراً كثير الأسفار مطلعا على كثير من ثقافات الأمم والحضارات المجاورة لقريش، مما أعطاه ميزة عن غيره من معاصريه وأقرانه.
أدرك النضر مكمن قوة دعوة الإسلام ،فرتب سياسته على محاربة سطوة القرآن وتملكه للقلوب، فانطلق إلى بلاد الحِيرة بالعراق في بعثة هدفها الاستفادة من خبرات الآخرين في اللهو والدعايات المضادة، وفي الحِيرة تعلَّم النضر بن الحارث أحاديث ملوك الفرس، وقصص رستم وإسفنديار، وتعلَّم الأساطير الفارسية، ودرس الحكايات والروايات التي تحمل عوامل التشويق والإثارة وجذب الانتباه، تنشيط للشهوات ومخاطبة الغرائز.
كما تعلم في الحيرة الضرب على آلة العود وتعلم الغناء على طريقة العجم من النغمات الرخيمة ،كما اشترى من الحِيرة جاريتين مغنيتين،عاد إلى قريش محملاً بخبرة وطرق جديدة لمحاربة الإسلام.
بذل المال والوقت والجهد والفكر لنشر الإباحية والمجون واللهو الباطل، وأدخل هذا الفجور إلى مكة،بمعنى: اتَّبع سياسة نقل الحضارات الغربية إلى بلاد العرب، ودعا الناس إليها والافتتان بها، فالنضر بن الحارث هو أول “تغريبي” عرفه العرب.
إستراتيجية النضر بن الحارث :
بعد عودة النضر بن الحارث إلى مكة أخذ في تطبيق منهجه واستراتيجيته في محاربة الإسلام ورسوله بعدة صور منها:
1- كان النضر يتتبع مجالس النبي -صلى الله عليه وسلم ويتحين انتهاءه من الحديث والانصراف حتى يجلس موضعه، ثم يحدث الناس بأخبار كسرى وقيصر وأساطير الفرس والروم، ثم يقول: ما محمد بأحسن حديث مني، وما حديثه إلا أساطير الأولين، اكتتبتُها كما اكتتبَها محمد”. فأنزل الله -تعالى- قوله (وَقالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)[الفرقان: 5 – 6].
2- كان لا يسمع بأحد مَالَ إلى الإسلام وبدأ يدخل قلبه ونفسه، حتى يرسل إليه بالجاريتين المغنيتين، فيسقيانه ويغنيان له وربما يفحشان معه ، حتى لا يبقى في قلبه ميل للإسلام الذي سيحرمه من كل هذه الشهوات والمتع (كما يفعلن بنات الهوى وبعض الشامخات)، فأنزل الله -عز وجل- فيه قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[لقمان: 6 – 7].
هذه المنهج المتفرد الذي أسسه النضر بن الحارث في محاربة كلِّ فضيلة جاء بها الإسلام ،سار على دربه كل أعداء الفطرة الإنسانية عبر العصور.
إنه التشغيب والتشويش والإلهاء، والإمعان في الغفلة لخلق الإنسان السادر التائه المنغمس في شهوات الغي ومضلات الهوى…لينشأ جيلٌ متعلق بقدوات تافهة تنزل به إلى الحضيض وسفاسف الأمور.
مازال المبطلون يتواصون بها عبر الأجيال والعصور، فما زالت سبل الغواية من الغناء والرقص والطرب والمعازف ،وجلب الدُّعار وليال الصيف تضرب خيامها في كل بلاد ، باسم الترفيه ومهرجانات الترفيه، الملهية عن أي شيء جادٍّ في الحياة اليومية، ..بل هناك وزارات مخصصة للقيام بهذا الأعمال الإبليسية لغواية الناس كوزارة الترفيه في بعض الدول ، وهي وزارة المعاصي ووزيرها وزير المعاصي…..إلى آخر هذا اللهو الباطل الذي حول الأمة إلى غثاء مثل غثاء السيل ودجَّن الشعوب .
هذا الصنف من الناس يريد أن يزعزع ثقة الإنسان بالخير والعفة والنظافة ؛ والعمل على إزالة التحرج من ارتكاب الفاحشة بالتدرج، وذلك عن طريق الإيحاء بأن الفاحشة شائعة فيها . . بذلك تشيع الفاحشة في النفوس ، لتشيع بعد ذلك في الواقع.
هؤلاء الملأ وأصحاب القرار الذي يحمون مثل هذه التفاهات توعدهم بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة قال تعالى في سورة النور { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
وقال أيضا {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } يشتريه بالمال والوقت والإعلانات والترويج، و يبذل تلك الأثمان الغالية في لهو رخيص ، فيدمر عمره المحدود الفاني ، الذي لا يُعاد ولا يعود ، يشتري هذا اللهو { وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا }.
إنه يُسَخِّر كلَّ إمكاناته للصَّدِّ عن الطريق التي رسمها الله للحياة وللناس{أ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ }وصدق الله فقد رأينا الذُّل والمهانة في وجوههم وحياتهم.
فكلُّ من يعين على هذا المسالك وينظمها ويحميها وينشرها ،يَصْدُق فيه قول الله تعالى { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}
(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)