لقاء القاهرة.. اتفاق جديد على الفشل
عبدالله الكبير
أطلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا رصاصة الرحمة على نتائج اجتماع مجموعة من أعضاء مجلس النواب مع نحو 25 عضوا من المجلس الأعلى للدولة في 18 يوليو الماضي، ذكرت البعثة في بيانها أنها " أخذت علما بالاجتماع"، وترى إمكانية "البناء على ما تم الاتفاق عليه، وتوخي مقاربة تشمل الأطراف الليبية المعنية الأخرى، حتى تفضي مخرجات اجتماعهم إلى حل قابل للتنفيذ سياسيا".
لم يكن من المتوقع أن يحقق اجتماع القاهرة ومانتج عنه أي تغيير في المشهد السياسي، ذلك لأنه لقاء بين طرفين سياسيين لهما رؤيتهما ومصالحهما، ولم يكن بين مجلس النواب ومجلس الدولة، حتي وإن كان المجتمعون أعضاء في المجلسين.
لا وجود ولا فاعلية للمجلسين إلا بالإعلان الدستوري والاتفاق السياسي واللوائح الداخلية، من دونها يتحولان إلى طرفين أو عدة أطراف سياسية أقرب إلى أحزاب أو تكتلات، تتحرك وفقا لمصالحها وأهدافها، المختلفة والمتناقضة مع مصالح وأهداف أطراف أخرى، لها نفوذ أو تمثيل في السلطة التشريع، وربما لا تملك أي نفوذ أو تمثيل في المجلسين، ولكنها تملك القوة والسلطة والمال، وهذه الحقيقة ربما لم يدركها الأعضاء في المجلسين رغم تعدد اجتماعاتهم في مسارات وقضايا مختلفة.
لذلك ليست مبالغة إذا وصفنا اجتماع القاهرة بأنه اجتماع لأحزاب سياسية أو حتى منطمات مجتمع مدني، ولعل ماورد في بيان البعثة بتوخي مقاربة تشمل الأطراف الليبية المعنية الأخرى، يؤكد ما ذهبنا إليه، بل ويقول بدون مواربة أن هناك أطراف ليبية أخرى معنية لابد من اشراكها، وإلا لن تجد مخرجات اجتماعهم طريقها للتنفيذ.
المقصود بالأطراف الأخرى، القوى الفاعلة على الأرض شرقا وغربا، لما لها من سلطة ونفوذ وقدرة على تقويض أي اتفاق سياسي، وحكومة الوحدة الوطنية التي باتت طرفا سياسيا لا يمكن تجاوزه إلا بعودة المجلسين إلى المسار الطبيعي، أي العمل من خلال نصوص الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، في هذه الحالة فقط بالنسبة للمجلسين تعود الحكومة إلى وضعها كهيأة تنفيذية يمكن تغييرها بالآليات المعروفة في الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي.
اجتماع القاهرة وترحيب عقيلة صالح رئيس مجلس النواب بمخرجاته، وإعلانه الشروع في قبول طلبات الترشح لرئاسة الحكومة، تشي بفشل قراره الأخير تمرير الميزانية، فما الداعي للعودة إلى تشكيل حكومة موحدة إذا كانت الميزانية ستصرف وستنال الحكومة الموازية نصيبها منها؟
مسألة البناء على ما تم التوصل إليه، التي دعت لها بعثة الأمم المتحدة في بيانها حول الاجتماع، تستلزم إشراك طيف سياسي واسع لا يمكن تجاوزه لضمان نجاح أي اتفاق حول التغيير، والشرط الآخر هو أن يكون الطريق واضحا نحو الانتخابات، ولكن أطراف الاجتماع من أعضاء النواب والدولة لا تسعى لحل الأزمة، بل هي تعطل سبل الحل لتستمر في الحصول على ما تتمتع به من مرتبات عالية ومزايا أخرى، سوف تفقدها إذا جرت انتخابات حقيقية.
كل هذه اللقاءات والحوارات بين رئاسة المجلسين، أو الأعضاء، أو اللجان المشتركة بينهما، مجرد دوران في نفس الدائرة، نقطة البداية هي نفسها نقطة النهاية، ولن نتقدم أي خطوة نحو الحل السياسي، هذا الحل الذي لن يتحقق في الظروف الدولية الراهنة إلا بإرادة وطنية، تذهب مباشرة نحو الانتخابات البرلمانية فقط، فتوحيد السلطة التشريعية هو بداية الطريق، وأي سبيل آخر سيكون مجرد صياغة جديدة مختلفة في مظهرها فقط للمشهد الحالي.
(المقالات المنشورة لا تُعبّر بالضرورة عن رأي الموقغ؛ بل عن رأي صاحبها)