لكي نؤسس لمصالحة وطنية حقيقية
بقلم/عبدالله الكبير
بعد نهاية الخلاف والصراع حول ملف مصرف ليبيا المركزي، بالتوافق على محافظ جديد وتشكيل مجلس إدارة للمصرف، تلوح في الأفق بوادر أزمة جديدة بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب حول ملف العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
إنجاز المصالحة الوطنية لتكون قاعدة تؤسس لبقية الاستحقاقات التشريعية والسياسية، يقع ضمن صلاحيات المجلس الرئاسي وفقا لاتفاق تونس جنيف، مع تكليف الاتحاد الافريقي لجنة أفريقية رفيعة المستوى، تتابع وتنسق مع المجلس الرئاسي لانجاز المصالحة، من دون أي نتائج تذكر رغم المؤتمرات والندوات والحوارات التي عقدت في الداخل والخارج، لبحث هذا الملف بين أطراف سياسية واجتماعية وعسكرية.
دخل مجلس النواب على خط هذا الملف بتصريح الرئيس المؤبد للمجلس عقيلة صالح مع مجموعة وصفت بأنها " أعيان المنطقة الغربية" تحدث فيه عن المصالحة الوطنية وإصدار مجلس النواب لقانون العدالة الانتقالية مؤكدا أن " القانون صيغ تحت مبادئ العدالة النزيهة وإحقاق الحق وجبر الضرر بتعويض المتضررين وإتمام المصالحة العرفية الاجتماعية والقانونية".
ولا نعرف عن أي عدالة نزيهة يتحدث من منح الشرعية لجلب المرتزقة الأجانب إلى ليبيا، وأيد وبارك بصفته رئيسا للمجلس، حرب حفتر على طرابلس، قبل أن يقر أنها غلطة وهو يقدم نفسه لمنصب الرئاسة أمام ملتقى جنيف! فضلا عن القوانين والقرارات التي أصدرها بالمخالفة للإعلان الدستوري، والاتفاق السياسي، واللوائح الداخلية لمجلس النواب، وتمسكه برئاسة المجلس من دون إجراء أي انتخابات تؤكد قناعته، ومن ثم قبوله بالتدوال السلمي على السلطة حتى بات قرار مجلس النواب ملكا حصريا له.
رئيس المجلس الرئاسي دعا عقيلة صالح إلى إقرار قانون المصالحة الوطنية المحال من المجلس الرئاسي منذ فبراير الماضي دون إجراء أي تعديلات في جلسة شفافة وصحيحة الانعقاد لمجلس النواب.
الشرط الذي يطلبه رئيس المجلس الرئاسي من رئيس مجلس النواب هو شرط النسيب الكاره، لأن عقيلة لم ولن يلتزم بأي إجراءات شفافة أو صحيحة في جلسات المجلس، وغالبية النواب قبلوا أو استسلموا بالحالة الراهنة لمجلس النواب، إما خشية من التنكيل بهم من عصابات حفتر، أو لأنهم مجرد عياشة غير معنين إلا بمرتباتهم العالية ومزايا عضوية المجلس. القانون غير متدوال عبر وسائط الإعلام، ولم يطلع عليه الشعب ليبدي فيه رأيه، ولن يجري رئيس مجلس النواب استفتاء حوله، فكل الخلافات حول قوانين الانتخابات، ومسودة الدستور، ونظام الدولة، يمكن حسمها بكل بساطة عن طريق آلية الاستفتاء بعد التحضير الجيد، ومنح النشطاء والنخب الوقت المناسب للحوار، وتوعية عامة الناس بمزايا وعيوب كل الخيارات، ولكن لا أحد من أطراف السلطة يرغب في ايقاظ مارد الشعب من غفوته.
في ملف المصالحة الوطنية لابد من التأكيد على جملة من القواعد لكي تتأسس المصالحة بشكل سليم يمكن البناء عليه لترسيخ قيم التعايش والسلام بين كل مكونات الشعب الليبي. أولا. لا المجلس الرئاسي ولا مجلس النواب الحالي مؤهلان لقيادة مصالحة وطنية حقيقية، هذا الملف يحتاج إلى هيأة (برلمان) منتخب يملك التفويض التام من الشعب للنهوض بهذه المصالحة، مجلس النواب الحالي تآكلت شرعيته، وإعيد تأهيله عبر اتفاقات سياسية، والمجلس الرئاسي تم انتخابه من مجموعة خاصة برعاية الأمم المتحدة، في ملتقى فاحت منه رائحة الرشاوى وفساد الذمم.
ثانيا. التأكيد على أن العدالة الانتقالية تسبق المصالحة، وأن العدالة لا يمكن أن تستثني المجرمين من العقاب الرمزي والمادي، ثم يأت الحديث بعد ذلك عن التعويض وجبر الضرر ووضع المواثيق بين أطراف المصالحة.
ثالثا. تحديد أطراف المصالحة، أي الاجابة على هذا السؤال. مصالحة بين من ومن؟ إذ نجحت أغلب المدن والقبائل في تحقيق المصالحة عقب أحداث العنف والاعتداءات التي وقعت بينها خلال أو بعد ثورة فبراير، فهل المقصد هو إعادة تدوير شخصيات سياسية أجرمت في حق الليبيين باسم المصالحة؟
ثالثا الاستفادة من كل تجارب المصالحة المحلية والدولية والاستعانة بالخبراء والعلماء ليصاغ قانون منصف للجميع ومصالحة مقبولة من كل مكونات الشعب تطوى فيها صفحة كل الخلافات والصراعات السابقة وتنطلق البلاد في بداية جديدة.
(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)