مركز الدراسات الأمنية: بعد انتصار الثوار في سوريا احتمال اندلاع حرب ليبية ممكن
الصراع والتوتر بين المؤسسات الرسمية على أشده، بالأخص ما بين حكومتي الشرق والغرب من ناحية
قال المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية "إن الساحة الليبية قد تكون الآن مهيأة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا أكثر من أي وقت مضى لاندلاع حرب جديدة بين شرق وغرب البلاد عن طريق عدة محفزات مختلفة؛ فالصراع والتوتر بين المؤسسات الرسمية على أشده، بالأخص ما بين حكومتي الشرق والغرب من ناحية، والمجلس الرئاسي والنواب من ناحية ثانية، وداخل المجلس الأعلى للدولة من ناحية ثالثة".
وقال المركز في مقال نشر تحت عنوان "مع خسارة روسيا نفوذها في سوريا بسقوط الأسد.. هل ليبيا ستكون ساحة جديدة للصراع دولي؟" إن خسارة روسيا نفوذها في سوريا سيجعلها أكثر تمسكًا بنفوذها في ليبيا، بل وقد تسعى لتعزيز وتوسيع هذا النفوذ نحو العاصمة، لتعويض خسارتها في سوريا وتأمين موطأ قدمها الوحيد في المياه الدافئة وتزامن ذلك مع نهاية فترة بايدن وبداية حكم ترامب، واحتمالية تصعيدهما للتوتر في ليبيا، ولكل منهما حساباته المختلفة من هذا التصعيد.
واعتبر المركز أن إخلال تركيا بموازين القوى الإقليمية بعد انتصار حلفائها في سوريا، قد يدفع بعض الأطراف لإضعاف نفوذها في ليبيا، لضبط موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط، وهو لن يحدث بدون حرب داخلية جديدة.
وحول التداعيات والسيناريوهات المحتملة للثورة السورية على ليبيا أشار المركز إلى احتمالية أن يتعمق النفوذ العسكري الروسي في ليبيا يومًا بعد يوم، في وقت تضغط فيه الولايات المتحدة وحلفائها الأروبيين لاحتواء هذا النفوذ وبالتأكيد فإن التواجد التركي أحد أدوات هذا الاحتواء، أو على الأقل عامل توازن جيواستراتيجي مهم بالنسبة للناتو في مواجهة روسيا.
وأشار المقال إلى أربعة سناريوهات محتملة إذ أن خسارة روسيا لحليفها السوري بشار الأسد، وما قد يترتب عليه من احتمالية مرجحة وطبيعية لخسارة نفوذها العسكري في سوريا، وبالتالي فقدانها لتواجدها الجيوسياسي الحيوي في المياه الدافئة عبر سواحل طرطوس، من المرجح أن ينعكس على الملف الليبي من خلال:
• السيناريو الأول: من المرجح أن تستميت روسيا في الدفاع عن نفوذها العسكري في شرق ليبيا وعن تحالفها مع خليفة حفتر، لأنه لم يعد أمام روسيا غير ليبيا، لتضمن منفذًا على المياه الدافئة في شرق المتوسط، وهو الهدف الجيوسياسي الذي طالما سعت إليه موسكو ومن هنا يمكن إدراك طبيعة تحركات الطائرات الروسية ما بين اللاذقية وبنغازي وكذلك القوات التابعة لبشار والتي فرت إلى ليبيا، فعلى الأرجح قد يكون هناك عملية نقل معدات وأسلحة وجنود من قواعدها في سوريا إلى ليبيا.
وإذا شعرت روسيا بتهديد أيضا لنفوذها في شرق ليبيا، قد يصل بها الأمر لدعم ودفع حفتر، مستغلة طبيعة الفترة الانتقالية في الولايات المتحدة حاليًّا، لإطلاق عملية عسكرية جديدة للسيطرة على العاصمة وهزيمة حلفاء تركيا في ليبيا، كما فعلت أنقرة مع حلفاء موسكو في سوريا، وهو ما يمكنها من تعويض خسارتها وتأمين نفوذها في ليبيا لكن العائق الرئيسي بحسب المقال هو انشغال روسيا بحرب أوكرانيا واحتمالية عدم استعدادها لفتح جبهة جديدة، وبالتالي قد يكون لهذه الخطوة نتيجة عكسية تمامًا، تقود لخسارة روسيا المعركة ومعها نفوذها في ليبيا.
السيناريو الثاني: انتصار الثوار في سوريا وسقوط الأسد ليس انتصارًا محليًّا فقط، بل هو أيضًا انتصارًا إقليميًّا لتركيا وتعزيزًا لنفوذها الإقليمي عبر ضمان حليف لها في دمشق. وبحسبة توازنات القوى في الإقليم، فإن هناك العديد من الأطراف الإقليمية والدولية التي لن تسمح لتركيا كحد أدنى أن تنتصر أيضًا في ليبيا وتحسم مسألة النفوذ فيها بشكل كامل بما في ذلك شرق البلاد، وكحد أقصى قد تأخذ هذه الأطراف خطوة استباقية وتدفع حفتر لإطلاق عملية عسكرية بها قدر من المخاطرة، للسيطرة على العاصمة طرابلس وإنهاء النفوذ التركي فيها، بعد تعزيز الأخيرة نفوذها في سوريا.
السيناريو الثالث: مع خسارة روسيا لنفوذها في سوريا، قد تجد الولايات المتحدة في ذلك فرصة لمزيد من الضغط على روسيا في منطقة الشرق الأوسط عبر البوابة الليبية، لإضعاف نفوذها في ليبيا وتشتيت جهودها ما بين ليبيا وأوكرانيا، بالأخص خلال الفترة المتبقية لجو بايدن في البيت الأبيض، خاصة وأن الأخير يسعى لزيادة التوتر الجيوسياسي مع روسيا في العديد من الملفات، لقطع الطريق أمام دونالد ترامب في مساعيه المتعلقة بتخفيف التوتر مع روسيا، بشكل يقود لإنهاء الحرب الأوكرانية بصيغة قد لا تصب في صالح الغرب من الناحية الجيواسراتيجية.
وفي ذلك تقف الولايات المتحدة أمام نهجين،
الأول محاولة ثني حفتر عن تحالفه المتنامي مع الروس، لذلك تتزايد الزيارات الأمريكية لشرق ليبيا ولقاء حفتر وأبنائه،
النهج الثاني احتمالية إشغال روسيا في ليبيا عبر إشعال حرب داخلية من جديد بين شرق وغرب البلاد. أي أن الولايات المتحدة وفقًا لهذا التحليل، هي التي قد تدفع نحو خيار الحرب وليس روسيا.
• السيناريو الرابع: بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، هناك احتمالية لعقده صفقة، كعادته في التعامل مع ملفات السياسة الخارجية، قد يكون مضمونها هو الربط والمقايضة بين وقف الحرب الأوكرانية مقابل الاعتراف بالنفوذ الروسي في ليبيا، بل وقد يعطي ترامب الضوء الأخضر لحفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس بدعم روسي.
وبالمناسبة، قد يلجأ بايدن في الفترة المتبقية له لنفس الحل، وإن كان ليس مرجحًا بشكل كبير، وهو دفع حفتر لإطلاق معركة جديدة مع المنطقة الغربية للسيطرة على العاصمة، ولكن بهدف آخر وهو أن يكون ذلك في مقابل تخليه عن تحالفه مع الروس. مع الأخذ في الاعتبار وجهة النظر الأخرى التي تقول بأن الولايات المتحدة لا تمانع تواجد روسيا في ليبيا، لاستخدامها كفزاعة وأداة ترهيب لحلفائها الأوروبيين وجعلهم باستمرار في حاجة لظهير أمريكي، حيث تواجد روسيا في ليبيا، يجعل الأمن القومي الأوروبي منكشفًا من الجنوب، في ملفات الهجرة الغير شرعية، الطاقة و الانتشار العسكري. هذا فضلًا عن أن بايدن وترامب، إذا ما فكرا في هذه الخطوة، عليهم أن يأخذوا في الاعتبار مصالح حليفتهم تركيا في غرب البلاد، فهي عقبة كبيرة في هذا الطريق، خاصةً وأن تركيا ترى في تموضعها في ليبيا ضمانة لأمنها ومصالحها القومية في شرق المتوسط، وليس فقط مجرد دورًا وظيفيًّا في إطار عضويتها في حلف الناتو.
وأضاف المقال "ذلك لا يعني أن الحرب حتمية، فهناك احتمالية لتجنبها، خاصةً وأن هناك عدة عوامل خارجية قد تعوق اندلاعها؛ كرغبة الأوروبيين في استقرار ليبيا، والتهدئة الحاصلة بين الفاعلين الإقليميين في الشرق الأوسط، بالأخص مصر وتركيا، وانشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، واصطدام الولايات المتحدة بمصالح حليفتها تركيا في المنطقة الغربية. فضلًا عن الديناميكيات المحلية الأخرى التي قد تساهم في التهدئة، وهي وجود توازن قوى محكم بين قوات الشرق والغرب الليبيين تجعل حسم الحرب من قبل أحد الطرفين أمرًا ليس بالسهل، فضلًا عن إجراء المجوعة الأولى من انتخابات البلدية وحل أزمة المصرف المركزي، وهي خطوات يمكن البناء عليها للتقدم خطوات للأمام وليس للخلف.