كارنيغي: الانقسام في ليبيا قد يتفاقم ويشعل جذوة الصراع في المستقبل القريب
التقرير: تداعيات سقوط النظام السوري ستبلغ ذروتها في شرق ليبيا، التي تديرها حكومة أسامة حماد المدعومة من البرلمان وخليفة حفتر
سلّط تقرير لمركز "كارنيغي" نشرته الضوء على تأثيرات انهيار نظام بشار الأسد على الأوضاع داخل ليبيا بما في ذلك النفوذ الروسي والتركي الذي شهد تزايدًا في السنوات الأخيرة.
وأشار التقرير الذي نشرته الحرة، إلى أن الفصائل الليبية تتخبّط منذ سنواتٍ عدة في حالة جمود سياسي حال في الغالب دون نشوب صراعٍ كبير في البلاد، لكنه اعتمد إلى حدٍّ بعيد على تفاهم بين روسيا وتركيا اللتَين تنتشر قواتهما العسكرية على الأراضي الليبية.
ورجّح ويري أن يؤثّر سقوط الأسد على هذا التوازن الهشّ، من خلال تغيير المواقف الاستراتيجية لكلٍّ من هاتَين القوتَين في المنطقة، خاصة من خلال عرقلة قدرة موسكو على نقل المقاتلين والأسلحة إلى ليبيا.
تعاون حفتر والأسد...
وبعد أن وطّد حفتر أركان حكمه شرق ليبيا، يؤكد التقرير أن الرجل أدرك أن الأسد يمكن أن يوفّر نموذجًا للشرعية السياسية ومصدرًا للدعم العسكري والاقتصادي.
لهذا السبب، أعادت حكومة حفتر افتتاح السفارة الليبية في دمشق في العام 2020، وقد حُظيت الخطوة بتشجيع وتسهيل الإمارات العربية المتحدة، التي تضطلع منذ فترة طويلة بدور سياسي وعسكري داعمٍ له، وكانت آنذاك تقود الجهود العربية لإعادة تطبيع العلاقات مع الدكتاتور السوري.
يواصل التقرير سرد تفاصيل تشابك المصالح بين نظام الأسد وحفتر في الشرق الليبي، قائلًا إنه "حين عمَدت الحكومة التركية إلى إرسال آلاف المرتزقة السوريين الذين قاتلوا نظام الأسد لفترةٍ طويلة، إلى طرابلس ومحيطها في إطار تدخل عسكري لدعم الحكومة الليبية المُعترَف بها دوليًّا، لجأ حفتر إلى استقدام آلاف المسلحين السوريين الموالين للأسد بتسهيل روسي.
التعاون بين حفتر والأسد لا يقتصر على الجوانب السياسية والعسكرية فحسب، إذ يورد الباحث الأميركي تفاصيل عما وصفها بالتجارة الثنائية "غير المشروعة"، وتشمل الأموال والمخدرات والمعدات والمقاتلين والمهاجرين غير النظاميين عبر شركة الطيران السورية الخاصة "أجنحة الشام".
ويزيد التقرير أن "ماهر الأسد شقيق بشار الأصغر وقائد الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المُدرّعة النخبوية في الجيش السوري، اضطلع بدور أساسي في جميع مفاصل شبكة الجريمة المنظّمة السورية الليبية".
ما التداعيات في شرق ليبيا ؟...
يرى الباحث أن التطورات الأخيرة بسوريا والقطع المفاجئ لهذه الروابط، جعلت حفتر وجماعته في وضعٍ جديد غير مريح، وقد بدا ذلك جليًّا في التغطية الإعلامية المحدودة التي خصّصتها وسائل الإعلام الموالية له للأحداث في سوريا، فضلًا عن غياب ردود فعلٍ شعبية ملحوظة في المدن الواقعة شرق ليبيا عكس ما جرى في مدن الغرب.
كيف سيتصرف حفتر مع التطورات الجديدة في سوريا؟...
يجيب الباحث في تقريره بالقول "إن ذلك قد يدفع الرجل إلى إعادة تشكيل الركائز اللوجستية التي تقوم عليها شبكته، وربما العمل مع فلول نظام الأسد في المنفى والعصابات التابعة لها، أو التركيز بشكلٍ أكبر على مصادر تمويل أخرى".
وقد يحثّه الوضع الجديد أيضًا على إعادة النظر في اصطفافاته السياسية داخل البلاد وخارجها، ولا سيما أن أحد داعميه الخارجيين الأساسيين يرزح أيضًا تحت وطأة الضغوط، في إشارة إلى الروس.
هل يتقلص النفوذ الروسي في ليبيا؟...
اضطلعت موسكو بدور مهم في تشجيع وصول المشير خليفة حفتر إلى السلطة عام 2014، عبر مساندة حملته العسكرية في شرق البلاد، وذلك بتوفير الفنيين والمستشارين وتقديم الدعم الاستخباراتي والدعائي، وطباعة الأموال لحكومته، يقول التقرير "خلال الهجوم على طرابلس عام 2019، زادت روسيا تواجدها في ليبيا من خلال نشر آلاف المرتزقة من مجموعة فاغنر، وأفراد عسكريين نظاميين، وطائرات، وأنظمة دفاع جوي".
ورغم فشل قوات حفتر في السيطرة على العاصمة بسبب التدخّل العسكري التركي، يقول التقرير "إن موسكو تكيفت بسرعة مع الوضع، واحتفظت بالكثير من عناصرها وأسلحتها في قواعد جوية رئيسة قرب منشآت النفط".
إثر ذلك، استخدمت روسيا ليبيا قاعدة حيوية لإرسال مسلحين وإمدادات عسكرية إلى دول منطقة الساحل الأفريقي وغيرها.
سقوط الأسد قد يهدد أو يعقّد على أقلّ تقدير، يضيف ويري، طريق الإمداد إلى أفريقيا مرورًا بشرق ليبيا، نظرًا إلى أن معظم الإمدادات مرّت عبر سوريا، وخصوصًا عبر قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية.
وفي مواجهة حالة اللايقين، قد تُقرّر روسيا ممارسة ضغوط على حفتر من أجل تأمين وصول بحري أكثر ديمومة إلى ميناء طبرق، الذي يشكّل مركزًا يتدفق عبره الأفراد والمعدّات الروسية إلى أفريقيا.
ماذا عن النفوذ التركي ؟
يطرح الباحث في معهد "كارينيغي" أسئلة بشأن إذا ما كان سلوك تركيا في ليبيا سيتغيّر، نتيجة التحوّل في موازين القوى الإقليمية لصالحها، عَقِب سقوط الأسد.
فأنقرة لم تكتفِ، وفق التقرير، بعد ترسيخ وجودها غربي ليبيا عام 2020، بالحفاظ على السلام المنقوص في العاصمة، بل سعت إلى تحقيق أهداف اقتصادية على ارتباط متزايد بشرق ليبيا ، أي الأراضي التي يحكم قبضته عليها الفصيل التابع لحفتر، والذي خاضت أنقرة سابقًا معارك ضدّه.
منذ العام 2021، يؤكد ويري، أن تركيا بذلت جهودًا كبيرة لزيادة التعاون مع أسرة حفتر، إذ افتتحت قنصلية في الشرق الليبي الخاضع لسيطرة حفتر، وأدّت دورًا فعّالًا في ضمان توقيع الشركات التركية الكثير من العقود لتنفيذ مشاريع في مدن مثل بنغازي ودرنة.
ولا يستبعد ويري أن تؤدي عملية عرقلة أو تقويض الممرّ السلس الذي كانت تستخدمه روسيا لتزويد حفتر بالمساعدات إلى تشجيع الفصائل الليبية المتحالفة مع تركيا غربي البلاد، على تحدّي سلطة حفتر، شرقي البلاد.
وهناك سيناريو آخر يشير إليه الباحث ويعتبره أكثر واقعية أن تكثّف تركيا تواصلها السياسي والاقتصادي مع حفتر، مستفيدةً من الفرصة التي يتيحها انشغال روسيا بالتداعيات الناجمة عن سقوط الأسد.
وإذا اتّبع أردوغان هذا المسار، سيسعى على الأرجح إلى الحفاظ على دورٍ لموسكو على الأرض في ليبيا، لكنه سيكون أقلّ من السابق، مما قد يزيد من قيمة تركيا لحلف شمال الأطلسي باعتبارها محاورًا وثقلًا موازيًا.
موازين القوى في ليبيا...
يعتبر ويري أن الأحداث التي شهدتها سوريا هذا الشهر، التي تُضاف إلى الحرب المستمرة منذ أكثر من عامٍ في غزة، سيتردّد صداها داخل المجتمع الليبي، حيث لا تزال القوى السياسية المحلية والفصائل المسلحة تضطلع بالأهمية وتؤدّي دورًا فعّالًا.
ورغم تراجع "الحمى الثورية" التي أشعلت انتفاضات العام 2011، إلّا أنها لم تنطفئ بعد، يردف ويري قائلًا إن "تيارات الإسلام السياسي والجهادي أيضًا تنشط في الخفاء ومن خلف الكواليس".
ويخلص إلى القول "إن المأزق السياسي الليبي، الذي منع البلاد من المضيّ قدمًا نحو إنهاء الفترة الانتقالية عبر إرساء سلطة تنفيذية مُنتخَبة شعبيًّا وحلّ الانقسامات المؤسسية الكبيرة، قد يتفاقم ويشعل جذوة الصراع في المستقبل القريب".