الدعوات الخبيثة لعدم الاحتفال بفبراير
بقلم عبدالله الكبير
مع حلول ذكرى ثورة فبراير تكرر دعوات المثبطين إلى عدم الاحتفال بها، والنظر إلى الواقع الذي خلفته بعد أن كانت البلاد تنعم بالأمن والأمان والعشر فردات بربع، ولكن غالبية المدن تأخذ زينتها بأعلام الاستقلال وصور الشهداء وينزل الناس من مختلف الأعمار للاحتفال، ولا يعيرون اهتماما للمثبطين والمرجفين، الذين هم غالبا من فئات لم ترحب بالثورة التي قلبت سكينتهم وهدؤهم ورضاهم بحياتهم، أو لأنهم لم يتشرفوا بمساندتها والمشاركة فيها، أو من بقايا أنصار النظام السابق.
لا جدال أن الواقع اليوم، بعد مرور مايقرب من عقد ونصف غير مقبول مطلقا، والشعارات والأحلام الوردية التي رسمت أثناء الثورة وبعدها الكثير منها لم يتحقق، فالبلاد تعاني من حالة الصراع والانقسام، و التدخل الخارجي المسلح، وتغول المليشيات المسلحة، والاوضاع الاقتصادية والمالية مضطربة وغير مستقرة، ومع ذلك يتمسك الناس بالأمل، مؤمنين بأن هذا الواقع مؤقت وسيزول حتما، ولابد لمركب الثورة أن يهتدي إلى مرافئ السلام والهدوء، وهذا دافع أساسي للاحتفال بذكرى الثورة، وفاءا للشهداء وعدم خذلان التضحيات الجسيمة والثمن المدفوع للتخلص من سلطة الاستبداد والظلم والعبث.
دعوة الناس إلى عدم الاحتفال بذكرى الثورة، يأتي ضمن سياق متدرج يبدأ بالتقليل من أهميتها، ودفع الناس إلى كرهها ونبذها، فعدم إحياء ذكرى الثورة هو الهدف المرحلي الأول لشطبها من ذاكرة الناس، وبالتزامن يجري تشجيع الحنين في نفوس الناس إلى الزمن الغابر،، عبر التضليل والتزييف ومحو وقائع الظلم والافساد والاستخفاف بالشعب، وإظهار صورة مكبرة لما تعتبره الفئات المعادية للثورة إنجازات، ودائما ما يطرحون على رأس قائمة هذه المزاعم، العشر فردات بربع. وسنخصص في مقال قادم أسباب دعم القذافي لسعر الخبز والمواد الغذائية الأساسية ونتائج هذا الدعم ايجابا وسلبا.
أما الأمن والأمان، فهم يراهنون على نسيان الناس لوقائع حفلات الإعدام المنقولة على الهواء مباشرة في شهر رمضان، والخوف الذي رسخه النظام واجهزته القمعية في نفوس الناس، وتسخير جزء من ثروة البلاد لاشباع نزوات و أوهام رأس النظام، وإهمال تطوير البنية التحتية للمدن، وإهمال مشاريع شبكات المواصلات وتطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لزيادة الإنتاج في بعض المنتجات الزراعية والثروة السمكية، وغيرها مما يحتاج إلى مجلدات توثق التخريب المنهجي لكل مظاهر الحياة.
و بعد شطب فبراير من الذاكرة، تطل بقايا عصابات النظام والفئات التي كانت مستفيدة منه بشكل صريح، لتعزز رواياتها المضحكة عن النظام الجماهيري البديع، وما حققه من إنجازات حضارية عملاقة، عبر مسيرة ظافرة قطعتها المؤامرات الخارجية.
لا جدوى من محاولة إقناع هذه الفئات بالحقائق الدامغة والأدلة القاطعة عن الخيانات المتكررة التي ارتكبها النظام السابق في حق الوطن وأهله، وفشله الواضح في بناء مؤسسات دولة حقيقية، وإهداره لكرامة الليبيين، وتسويق الأوهام باستبدال الكلمات الفارهة بالفعل الحقيقي، فالخراب شامل ولكن اللافتات تحمل عبارة العظمي، والقرار في يد شخص واحد مع دائرة ضيقة محيطة به، بينما يسوق إعلام الزيف مروجا للأكاذيب عن حكم الشعب لنفسه بالمؤتمرات واللجان الشعبية.
لفبراير اخطاؤها من دون مكابرة، وهذا من طبيعة الثورات كحدث لا يخلو من عنف مفرط أحيانا في مسيرة التغيير، ويتحمل النظام السابق الجزء الأكبر من المسؤولية عن كل المالآت والتداعيات في مرحلة الثورة وما بعدها، فالحصاد المر هذه السنوات هو نتاج بذور العنف والكراهية والفتن، وثقافة التملق والنفاق التي تراكمت خلال عقود الاستبداد.
تقول الباحثة السياسية الأمريكية ليز أندرسون: التخلص من آثار الاستبداد ربما يحتاج إلى زمن يضاهي زمن الاستبداد.
سنحتفل بفبراير رغم كل التشويه الذي لحق بها، ورغم كل المعاناة وكل العراقيل وكل الشراك التي تنصب لها، إذ يكفيها شرفا وعزة أنها أسقطت طاغية متأله، تحول في سنواته الأخيرة إلى فكاهة عالمية بمظهره المضحك وخطاباته المسلية.
(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)