فرنسا تتقرب من حفتر للحصول على قاعدة (الويغ) التي تتمركز في الوسط الجنوبي لليبيا
تسعى فرنسا إلى استعادة مكانتها في أفريقيا عبر البوابة الليبية من خلال معسكر "الرجمة"
قال المتخصص في الشأن العسكري العقيد عادل عبدالكافي إن التقارب الفرنسي مع خليفة حفتر يأتي ضمن مساعي فرنسا إلى الحصول على تمثيل عسكري من خلال التمركز في إحدى القواعد العسكرية، وتحديداً قاعدة (الويغ) التي تتمركز في الوسط الجنوبي لليبيا.
وبحسب تصريحات عبدالكافي لاندبندت الغربية فإنه على رغم تخلي فرنسا عن حفتر بعد تأكدها أنه لن يحقق هدفها في السيطرة على طرابلس عام 2019، تراجعت عن دعم مشروع "الرجمة" عسكرياً داخل الأراضي الليبية، ولكنها ظلت تحافظ على العلاقة بينها وبين معسكر "الرجمة"، موضحاً أنه في ظل تداعيات الحرب التي تدور الآن بين روسيا وأوكرانيا منذ ثلاثة أعوام، إضافة إلى الدعم الفرنسي لكييف ضد موسكو، ومعاناة باريس إثر توغل روسيا في دول الساحل والصحراء الأفريقية، التي نتج منها طرد القوات الفرنسية من مالي والنيجر وتشاد، أصبح لدى فرنسا عداء كامل ومستحكم ضد النفوذ الروسي، لذلك تسعى إلى استعادة مكانتها في أفريقيا عبر البوابة الليبية من خلال معسكر "الرجمة"، بعدما استُدعي خليفة حفتر إلى فرنسا من قبل الرئيس ماكرون، حيث دار بينهما حديث في شأن التمثيل العسكري داخل الأراضي الليبية، حتى يكون لفرنسا تموضع داخل الأراضي الليبية لمواجهة التمدد الروسي سواء على الأراضي الليبية أو في شمال أفريقيا.
ويضيف عبدالكافي في حديثه أن أهمية ليبيا تكمن في كونها دولة مطلة على البحر الأبيض المتوسط، أو ما يعبر عنه بالمياه الدافئة، وهي أيضاً قريبة من منصة الـ"ناتو"، مشيراً إلى الموقع الاستراتيجي الذي حصلت عليه روسيا عبر احتلالها قواعد استراتيجية كقاعدة "الجفرة" في الوسط الليبي، وقاعدة "براك الشاطئ" القريبة من سبها جنوب البلاد، وقاعدة "الخادم" في بنغازي شرق ليبيا، وتمددها الآن باتجاه أقصى الجنوب في قاعدة "معطن السارة"، تلك القاعدة التي كانت تستخدمها القوات الليبية سابقاً في حربها على تشاد.
ويوضح المتخصص في الشأن العسكري، "لذلك تسعى فرنسا إلى الحصول على تمثيل عسكري من خلال التمركز في إحدى القواعد العسكرية، وتحديداً قاعدة (الويغ) التي تتمركز في الوسط الجنوبي لليبيا، والهدف من ذلك هو مواجهة النفوذ الروسي وضمان مصالح فرنسا داخل الأراضي الليبية، وأيضاً تأمين قواعد لـ(ناتو) جنوب المتوسط، ويأتي ذلك في ظل قيادة فرنسا القوة الأوروبية ضد روسيا بعدما بدأت الولايات المتحدة تتنصل من دعم أوكرانيا".
وينوه بأن فرنسا تعمل على أن يكون لها موقع عسكري بالأراضي الليبية على شكل قوة نظامية في إحدى القواعد العسكرية، حيث تتجه العيون الفرنسية نحو قاعدة "الويغ"، التي تقع في منطقة نفوذ معسكر "الرجمة"، لتستخدمها كجسر عبور نحو بقية الدول الأفريقية، فالتموضع في هذه القاعدة سيكون عبر حفتر حتى تتمكن فرنسا من مواجهة النفوذ الروسي في شمال أفريقيا وتوجيه صفعة لروسيا إثر تغلغلها في دول الساحل والصحراء، وانتزاعها عدداً من الدول الأفريقية من القبضة الفرنسية.
الثأر الفرنسي
يوضح عبدالكافي أن فرنسا لديها ثأر من روسيا، لذلك تسعى إلى استرجاع مكانتها في أفريقيا عبر ليبيا التي ستمهد لها الطريق لدعم شخصيات أفريقية معارضة لنظام بلدانها بمواجهة التمدد الروسي، وذلك على غرار ارتباطها بزعيم المعارضة النيجيرية محمود صلاح الذي قُبض عليه أخيراً في منطقة القطرون جنوب ليبيا وأُطلق سراحه بضغط فرنسي.
ويضيف أن صلاح لديه عداء للتمدد الروسي، لذلك لجأ إلى الأراضي الليبية بعدما تقلصت قواته في النيجر وأصبح مطارداً فوجد في ليبيا ملاذاً آمناً له، مؤكداً أنه رجل تعتمد عليه فرنسا استخباراتياً، وسيكون له دور في المرحلة المقبلة عندما يُدعم من قبل فرنسا سواء بالأسلحة أو بالمعلومات لتنفيذ عمليات ضد التغلغل الروسي في دول الساحل والصحراء الأفريقية، وتحديداً النيجر التي ينتمي إليها محمود صلاح.
ويتابع أن ليبيا تمثل منصة مناسبة لإطلاق عمليات عسكرية فرنسية أو روسية تجاه دول الساحل والصحراء الأفريقية، باعتبارها ممراً آمناً لإمدادات الأسلحة وتحرك عناصر المرتزقة الروس، لذلك ترى فرنسا أن هذه الاستراتيجية هي الأنسب لتحقيق مصالحها وأولها تقليم أظافر روسيا في أفريقيا، لأن التطورات القادمة توحي بمواجهات بين دول الـ"ناتو" وروسيا في شرق أوروبا أو في أفريقيا، فالأجواء متوترة والتصعيد سيد الموقف، وعلى رغم المساعي الأميركية لإحلال السلام فقد ظل استمرار شحن الأسلحة والتحشيدات العسكرية من جميع الأطراف (روسيا حشدت أسلحة من كوريا الشمالية وإيران، وأوكرانيا حشدت هي الأخرى أسلحة أوروبية)، وتذهب المعطيات إلى قرب حدوث مواجهات عسكرية بين هذه الدول لتكون بذلك ساحة شرق أوروبا إحدى الساحات المرشحة لاشتعال تلك المواجهة في مرحلة معينة، وأيضاً ساحة شمال أفريقيا، سواء ليبيا أو دول الساحل والصحراء الأفريقية، مرشحة لتكون ساحة مفتوحة للصراع.
ويستطرد عبدالكافي أنه بناءً على ما ذكر سلفاً، تعمل فرنسا على محاولة تعزيز موقعها من خلال التموضع داخل ليبيا بالاتفاق مع معسكر "الرجمة" الذي يسيطر على الشرق والجنوب والوسط الليبي، مما يجعل منه المنقذ الوحيد لها وجسر العبور الأساس لمواجهة التمدد الروسي في ليبيا ودول الساحل والصحراء الأفريقية، مؤكداً أن هدف فرنسا هو عدم السماح لروسيا بمزيد من التغلغل، وهو ما سيأتي من خلال دعم بعض العمليات العسكرية عبر المجموعات الأفريقية المعارضة في دول الساحل والصحراء الأفريقية، وبخاصة في النيجر على غرار محمود صلاح، أو في مالي من طريق دعم الأزواد أو أية قوة أفريقية أخرى معارضة للوجود الروسي.
ويوضح عبدالكافي أن فرنسا ستلجأ لاستحداث مجموعات محلية مسلحة في هذه الدول لتقدم لها الدعم المسلح في مرحلة موالية، حتى يكون لها دور في مناهضة الوجود الروسي بدول الساحل والصحراء ووسط وغرب أفريقيا وصولاً إلى القرن الأفريقي.
وكانت الأضواء الباريسية قد عادت لإضاءة الساحة الليبية من جديد بعد انقطاع دام أربعة أعوام إثر فشل خليفة حفتر في السيطرة على العاصمة الليبية عام 2019، وتجسد الاهتمام الفرنسي بليبيا منذ بداية عام 2024، في زيارة المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي بول سولير، محملاً برسالة من إيمانويل ماكرون تؤكد استمرار اهتمام فرنسا بالملف الليبي وتحقيق الاستقرار من أجل الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي ودعم جهود إعادة الإعمار في مناطق الجنوب الليبي الذي تعتبره فرنسا ملعباً أساساً للتوسع نحو دول الساحل والصحراء الأفريقية، بخاصة بعد خسارة نفوذها في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.