فقه السياسة الشرعية المعاصرة : التدين في مجتمع الانكشاف
الكاتب: محمود سلامة الغرياني، استاذ جامعي
الانكشاف أصبح شاملا عاما .. ترى كل شيء في كل حين. . . الموبايل أصبح سكنا وخلوة وكينونة .. أصبح هو الواقع العاطفي والعقلي والنفسي والسمعي والبصري .. والواقع الخارجي أصبح عبأ والتزاما لا يمكن المكوث فيه إلا بمقدار الحاجة .. بما في ذلك الأسرة والأقارب والأصدقاء والعمل والفراغ وغيرها ... كل ذلك أصبح مرغوبا عنه لصالح الحياة الافتراضية .. وكل ما يحدث في الواقع يمكن أن يكون موضوعا لمنشور مرتقب .. أين يمكن أن يقف الداعية والسياسي والفقيه .. ولماذا فقد الخطاب الشرعي تأثيره .. حيث أصبح نقطة في بحر .. ومنشورا تجتاحه بقية المنشورات .. أين هو المنشور الذي يتضمن خطابا أنتج موقفا ... كل الخطابات اليوم تؤخذ على سبيل المقارنة بغيرها .. ولا تنتج فعلا .. الخطابات اليوم تسجل ليقتطع منها دقائق لتعرض على الناظر المتعجل السريع .. وللمهتمين بالموضوع على وجه الخصوص .
الإنسان يتغير إلى كائن انفرادي لا ينتمي للمجموعة ولكن للذات .. يتصفح كل شيء .. وكما يريد.
معايير الحق والباطل .. والصواب والخطأ تصبح نسبية .. بل إن معايير الحكم على الشيء بالصواب والخطأ ستكون فردية مهزوزة .
المجتمع الذي يهدف إليه الإسلام مجتمع الستر والبعد عن اللغو والبعد عن الرياء والدفاع عن الصواب والتثبت في المعلومات والصفح والتغافل والنسيان وغض البصر والتعبد في أوقات الخلوة والتفاعل الاجتماعي الحقيقي برا وصلة واهتماما وعطفا ورعاية وتعميرا للأوقات والأماكن بأفعال حقيقية لا بملصقات إلكترونية .. كل هذه القواعد الدينية الكبرى يخطفها منا الجهاز الصغير الذي نصطحبه في جيوبنا ويحفظ عنا كل خصوصياتنا وخصائصنا .. أين فقه السياسة الشرعية وفقه سد الذرائع ليقول كلمته. . وأين العزيمة لتفرض الموقف الصحيح من هذه المرحلة الدجالية التي ندخل إليها ..
(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتابها)