في بلد المليارات

في بلد المليارات

مايو 16, 2018 - 20:45

بقلم : د. فتحي الفاضلي،
كاتب سياسي واستاذ جامعي

دولة تتحدث بالمليارات... يتكالب العالم عليها وعلى ثرواتها... رواتب المسؤؤلين فيها خيالية... الفساد المالي مستشري في خلايا وأنسجة وجينات ونخاع أغلب المسؤولين... وغير المسؤولين. في بلد المليارات... أعرف بعض المدارس والمعاهد والكليات... لا يوجد بها دورات مياه للمعلمين والتلاميذ... وأعرف غيرها بها دورات مياه ولكن... بلا أبواب وبلا مياه... وأغلبها... إن وجدت... لا ترضى الخنازير أن تتبول فيها... رطوبة وعفونة وروائح كريهة أخرى وأمراض ومصائب وجراثيم... لا إضاءة ولا مياه ولا نظافة.

في بلد المليارات أعرف مدارس وكليات بها مقاعد لا ترضى الحيوانات أن تجلس عليها... وأعرف غيرها يحتوي الفصل الواحد على مقاعد ربما عاصرت الحرب العالمية الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة... مقاعد وأثاث وسبورات وأبواب... تشمئز منها القمامة... مقعد بني وأخر أبيض وغيره طويل ومقعد أخر قصير وثالث مربع وخامس مستطيل وسادس محطم وسابع منفصل وثامن يتسع لإثنين... كل ذلك في نفس القاعة او الفصل... وكأنها جمعت من مكب للقمامة... وجميعها مقاعد أكل عليها الدهر وشرب الف مرة ومرة.

في بلد المليارات... مدارس ومعاهد وكليات بها أبواب وشبابيك إذا فتحتها لا تستطيع إغلاقها... وإذا أغلقتها لا تستطيع فتحها... شبابيك وأبواب في كليات ومدارس ومعاهد يقفلها الطلبة بالأشرطة اللاصقة والأسلاك المعدنية والعصي... القاعة أو الفصل فرن (كوشة) في الصيف... وثلاجة في الشتاء... تشفق على البشر (تلاميذنا وطلبتنا) الذين يرتعشون من البرد أثناء الحصة أو المحاضرة... ويكادوا أن يخرجوا من جلودهم وعقولهم في الصيف... بينما أغلب الدول الأوروبية وغيرها من الأمم تتدفى بغاز وطنهم... لا مكيفات ولا دفايات. في بلد المليارات... ملاعب وساحات من الرمال لا ترضى الكلاب أن تتجول فيها... مطاعم وكافتريات تتمنى أن يصوم تلاميذنا دهراً... ولا يقتربوا منها... معلمين وأعضاء هيئة تدريس يشترون من جيوبهم – إن تحصلوا على مرتباتهم - المواد والأدوات والخطاطات والأوراق التي يعدون فيها إمتحاناتهم ونشاطاتهم التعليمية و يشترون غيرها من لوازم التدريس الأخرى... سبورات مهترئة يمسحها المعلم بمناديل ورقية (كلينكس). في بلد المليارت مكتبات تحس بأنها مخازن للكتب القديمة... تضم بين أرففها المتآكلة... كتب مكانها الحقيقي المتاحف والدواليب والمخازن... مكتبات لا يصح أن يطلق عليها مسمى مكتبات... لا شكلاً ولا محتوى ولا موضوعاً... معامل هي الأخرى لو سميت "دار الغولة" لكان المسمى أقرب مليون مرة من مسمى "معمل"... عتمة وعفونة وأجهزة وأدوات ومواد كان يجب أن يكون مكانها... قاع البحر... أوالدفن في رمال الصحراء... حيطان رطبة وأرضية غير مستوية وأرفف مرعبة يستخدمها بالمشاركة الطلبة والتلاميذ والحشرات والعناكب. 

في بلد المليارات... تتساقط على رؤوس الطلبة قطع من حجارة أنسلخت عن جدران المبنى بسبب الرطوبة وإنعدام الصيانة... مباني يفترض أنها مدارس ومعاهد وكليات... لكنها لا تصلح أن تكون مخازن لعلف الحيوانات. في بلد المليارات نحن نواصل إغتيال الوطن... عبر إغتيال العلم والتربية والتعليم. ولنا... باذن الله... عودة مع بلد المليارات.

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتابها)