هل ستتلاعب الشركات الدولية بالنفط الليبي؟

هل ستتلاعب الشركات الدولية بالنفط الليبي؟

مايو 13, 2019 - 20:40

بقلم أ.د جمال سعد اللافي،

باحث في اقتصاديات الصناعة النفطية

يشكل النفط الليبي عصب الاقتصاد في دولة واسعة ومترامية الاطراف قليلة السكان نسبيا , مند اكتشاف النفط في عام 1959 , تسعي ليبيا لتحسين وضعها الاقتصادي لكنها فشلت نسبيا الي الان في ان يكون لليبيا دور اقتصادي مستدام في المنطقة .

السبب الرئيسي ان الدولة الليبية سخرت الاقتصاد لخدمة السياسة ولم تسخر سياستها لخدمة اقتصادها ولم تنجح في كليهما. الصناعة النفطية بشكل عام محتكرة بأيدي الشركات العملاقة الامريكية والانجليزية خاصة في مجال الاستكشاف والاسترداد الاضافي , ليس هذا فقط بل ان اغلب تلك المشاريع تحتاج الي رؤوس اموال كبيرة تعجز ميزانية ليبيا علي توفيرها مع غياب الخبرات الوطنية اللزمة للإنجاحها . صناعة النفط الليبية عانت مند ثمانينات القرن الماضي من حصار وقيود من الدول الغربية كخطوات لمعاقبة النظام الليبي , ادت تلك العقوبات الي خلق الكثير من العراقيل لصناعة النفط الليبي و ايضا الحد من نمو الاحتياطي والانتاج النفطي الليبي  ما سينعكس علي نمو الاقتصادي الليبي بشكل عام. 

الشركات الغربية كانت تتمتع بامتيازات كبيرة جدا نتيجة للعقود الاحتكارية في صناعة النفط الليبية في بداية اكتشاف النفط , كانت تلك الشركات تتحكم في كمية الانتاج المنتجة من الحقول حيت وصل الانتاج المحلي الليبي في 1970 الي ما يقارب 3.5 مليون برميل يوميا , بعد هذا التاريخ بدئت الحكومة الليبية في تأميم صناعة النفط الليبية وهو ما تم في عام 1971 و ارغمت جميع الشركات الغربية علي الدخول اما نظام المشاركة او المحاصصة و تولت المؤسسة الوطنية للنفط باختلاف تسمياتها في ادارة الانتاج النفطي الليبي . ومن هذا التاريخ ايضا بدء هبوط الانتاج الليبي حيت وصل الي 1.1 مليون برميل في 1986 نتيجة حظر استيراد معدات الانتاج للحقول النفطية عقب الغارة الامريكية علي طرابلس وبنغازي في دالك العام , اما ادني انتاج ليبي فقد وصل الي  صفر نتيجة الحرب الاهلية الليبية التي بدئت في سنة 2011. في تلك السنة غادرت جميع الشركات الغربية ليبيا و توقف تصدير النفط الليبي. الوضع الامني المتردي في ليبيا كان سببا رئيسيا لا أمتناع المستثمرين الاجانب من العودة الي ليبيا. صناعة النفط الليبية كانت في حاجة ماسة لهم لتطوير عدد كبير من الحقول النفطية التي لم يرغب النظام السابق في توفير الدعم المادي اللازم لها, ففي عام 2009 كان  الحقول النفطية الليبية تحتاج الي حوالي 30 مليار دولار لتطوير عدد كبير من الحقول النفطية التي من شأنها اذا ما انجزت ان تزيد من معدل الانتاج اليومي الي فوق 2.5 مليون برميل حسب التوقعات في عام 2009 .

كانت المنافسة شديدة جدا بعدما فتحت ليبيا ابوابها للشركات الغربية و بعد ان رفعت المقاطعة النفطية عنها في 2004 , الذي بدوره انعكس علي عقود ممتازة لصالح الدولة الليبية اذا ان جل تلك العقود بأجمالي 47 عقدا , كانت في صالح المؤسسة الوطنية للنفط حيت بلغت حصة الدولة الليبية  في 35 عقدا موقعا منها اكثر من 85% من الانتاج المستكشف بينما حصل الشريك الاجنبي علي 15% او اقل . لا يمكن لاحد ان يجادل ان جولات التفاوض كانت مناسبة جدا للمؤسسة الوطنية للنفط و خاصتا انها تزامنت مع بداية الارتفاع الملحوظ لأسعار النفط حيت كانت حوالي 60 دولار للبرميل في 2005 وصلت الي 136 دولار في 2008 , الامر الذي حفز كثير من الشركات الاجنبية للاكتفاء فقط ب 12% من حصة الانتاج المتوقع في 27 عقدا نفطيا من اصل 47 عقدا نفطيا حصلت ليبيا فيها علي الباقي أي 88% من الانتاج , كان ذلك نجاح كبير للمؤسسة الوطنية للنفط في ادارة جولات المفاوضات. ابدى الكثير من المراقبين الليبيين التفائل مع بدء بعض الشركات الاجنبية المشاريع الاستكشافية المتفق عليها في عقود ابسا 4 ونجاح عدد من هذه الشركات في ايجاد النفط في بعض قطع الامتياز الممنوحة لها. في عام 2010 كانت التوقعات تشير الي ان الصناعة النفطية الليبية علي وشك دخول مرحلة جديدة مع كثرة الشركات الاجنبية التي تبحت علي موطئ قدم في هذا البلد الشمال افريقي لما له من جودة نفط و موقع جغرافي ممتاز.

لكن ما حدث في ليبيا جعل معظم الشركات الاجنبية لا تغامر بالاستثمار فيها بل لا تفكر في العودة في الوقت القريب, فلها عدة مشاريع اخري حول العالم افضل من ليبيا بكثير. خاصة وان الشركات الامريكية مشغولة باستخراج النفط الصخري الامريكي حيت الاستقرار السياسي و الاقتصادي. ان عودة الشركات الاجنبية الموقعة علي عقود ابسا 4 في ظل الوضع الليبي المتأزم امر لا يمكن حدوثه وحتي ان وافقت هذه الشركات فلن تكون جادة حاليا و ستحرص علي الحصول علي تنازلات كبيرة من الجانب الليبي او اعادة تفاوض في الكثير من العقود الموقعة سابقا. غياب الشفافية في الكثير من المحادثات التي تحصل من وقت لأخر بين المؤسسة الوطنية للنفط و الشركات الغربية من 2011 الي الان يجعل من الصعب الحكم في فحوي هذه المحادثات. الاخبار ما انفكت تأتي ان بعض الشركات قد تبدء في استكمال بعض مشاريعها الاستكشافية البحرية كشركة ايني الايطالية و شركة بي بي الانجليزية لكن الي الان لم نلمس شيء حقيقي انما وعود فقط. من يجرؤ علي الدخول الي ليبيا الان , حتي مع تنازلات و اعادة تفاوض علي عقود سابقة فلن تأتي هذه الشركات قبل ان يستتب الوضع الامني الليبي يشكل كامل. وبدونها أي الشركات الاجنبية لن تزدهر الصناعة النفطية الليبية لأنها تعاني من الكثير من المشاكل التقنية وتحتاج الي رؤوس اموال كبيرة. ان وقت دعوتها للعودة غير مناسب حاليا . ان من الاجدى للمؤسسة الوطنية للنفط الليبية ان تحاول ادارة الحقول النفطية و النظر في متطلبات المالية لشركاتها الوطنية المشغلة اكثر اهمية , فالكثير منها تعاني من نقص المعدات والصيانة المتأخرة لسنوات. بل ان الحرص علي الابقاء علي العقود السابقة كما هي و الزام الشركات الموقعة بها امر بالغ الاهمية. يأتي هذا بعد تداول الاخبار بأن المؤسسة الوطنية للنفط افتتحت مكتب لمشتريات معدات نفطية بما قيمته 60 مليار دولار في هيوستن الامريكية. من يمول ؟ كيف ؟ و لماذا؟ اسئلة ستجيب عليها الايام القادمة.

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتابها)