لا لمتعددي الجنسية

لا لمتعددي الجنسية

مايو 24, 2018 - 19:55

بقلم : د. عادل عبد الحفيظ كندير.
أستاذ القانون الدولي المساعد, كلية القانون جامعة طرابلس.

الدافع نحو كتابة هذه الأسطر تخلي وزير خارجية بريطانيا بوريس جنسون بشكل نهائي عن جنسيته الأمريكية التي يتمتع بها منذ ولادته بمدينة نيو يورك في 1964.6.19، ليتسنى له ممارسة مهام وزارته التي كلف بها العام الماضي من قبل رئيسة وزراء بريطانيا، وكان بوريس قد شرع في اجراءات التخلي عن جنسيته الأمريكية منذ مطلع العام 2016.

ومن الناحية القانونية والسياسية والأمنية يكتسي انتماء الفرد لدولة معينة أهمية بالغة؛ إذ يتوقف حق مباشرة الفرد لحقوقه السياسية وتولي الوظائف العامة على كونه مواطنا أو أجنبيا، ويطلق على هذا الانتماء (رابطة الجنسية)، فالجنسية هي معيار التمييز بين من ينتسبون للدولة برابطة الولاء وبين من هم دون ذلك، وهو ما يعني أن المتجنس بجنسية أجنبية ولو احتفظ بجنسيته الليبية الأصلية، فهو يحمل في أعماق نفسه وحول رقبته ولاء لدولتين مختلفين، ومن هنا جرت قوانين دول العالم على تحريم منح مزودجي الجنسية وظائف قيادية عليا ااعتبارات المصلحة الأمنية العليا للدولة.

وقد كانت المسودة الثالثة للاتفاق السياسي تشترط لتولي مهام حكومة الوفاق الوطني (رئاسة أو نواب أو وزراء ) عدم تعدد الجنسية، غير أن أعضاء في المؤتمر الوطني العام من متعددي الجنسية عملوا على اسقاط الشرط في المسودة الرابعة، في محاولة (ناجحة) منهم لافساح الطريق أمام أنفسهم للدخول في حكومة الوفاق. وعليه، ولما صارت الأمور السياسية تنبأ بعقد ملتقى وطني جامع قد يسفر نحو تعديل دستوري جديد، فيجب العمل منذ الآن نحو إعادة شرط عدم تعدد الجنسية في الوظائف القيادية العليا، بل وفي الدستور الدائم بشكل خاص، وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الأحكام الحديثة للقضاء الليبي بالخصوص تسير نحو عدم جواز تقلد متعددي الجنسية لوظائف قيادية عليا، وأهمها حكم دائرة القضاء الإداري بمحكمة استئناف البيضاء في الدعوى رقم 5/ 2016 بتاريخ 2016.11.28 ضد رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور لكونه متجنسا بالجنسية الامريكية، هذا فضلا عن الرأي الصادر عن الإدارة العامة للقانون العام 2016 حول تعارض تقلد متعددي الجنسية لوظائف في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية الليبية مع القواعد القانونية النافذة في ليبيا.

الخلاصة: تعتقد الغالبية العظمى من الليبيين بأن الأحزاب والكيانات السياسية هي من أفسد الحياة السياسية في ليبيا بعد الثورة، وهي - أي الأحزاب - إن كان لها نصيب في ذلك فعلا، إلا أن من أفسد الحياة السياسية حقيقة هم متعددو الجنسية أو بالأحرى متعددو الولاء ممن تولوا وظائف قيادية عليا في ليبيا بعد الثورة. فيجب إزاحة كل هؤلاء بنص صريح في مخرجات الملتقى الوطني الجامع وفي الدستور، وهو أمر لا يتعارض مع النصوص والمواثيق الدولية لحقوق الانسان التي تقر بامكانية فرض قيود معنية على الحقوق والحريات بموجب نصوص قانونية عامة التطبيق لاعتبارات تتعلق بالأمن العام والصحة العامة والنظام العام والآداب العامة.

وقد يدفع عدد من متعددي الجنسية في مواجهة القول السابق، بأن اكتسابهم للجنسية الأجنبية جاء في ظروف معينة (زمن نضالهم ضد القدافي في الخارج) فيمكن الرد بأن الظروف المشار إليها قد انجلت وأنكم أمام خيارين إما الولاء التام للدولة الليبية أو الولاء التام لدولة الجنسية الأجنية، فالولاء لا يتجزأ، ولا تمنح الحقوق السياسية ولا تولي الوظائف العليا في كل دول العالم إلا لأصحاب الأصل المتجدر في الدولة، بل قد يمنع هؤلاء من تولي وظائف قيادية أو سيادية حال زواجهم بأجنبية، فماذا لو علمنا بأن بعضا من متعددي الجنسية ممن تولوا وظائف قيادية وسيادية في ليبيا هم من المتزوجين بأجنبيات وأبناؤهم أجانب يقيمون في الخارج، وليس هذا وحسب بل أن بعضا من الزوجات والأبناء أعضاء في أحزاب سياسية في دول الجنسية الأجنبية.

في الختام، عند تولي الوظائف العامة أو عند ممارسة الحقوق السياسية كالانتخابات يجب الانتباه والحذر مستقبلا من مزدوجي الجنسية أكثر من منتسبي الأحزاب السياسية وفق الحال المعمول به الآن.

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتابها)